الطريق هادئة، حركة المرور طبيعية، كأن شيئاً ما لم يحصل، وكأنه لم يسقط هنا شهيداً، مَن حارب الإرهاب في عرسال وعاد منتصراً، على يدِ بعض العابثين من أبناء منطقته... وحده أنين أم رؤوف يصدح في أنحاء بلدة نحلة والجوار، من دون أن يؤرّق ثبات القتَلة.

 

التدقيق ببطاقات الهوية على مداخل بعلبك كثّف حركة السير قليلاً عند مراكز الجيش الثابتة، التزم المارّة الصمت، "فالجيش المغدور يقوم بعمله"، وما إن يتجاوزوا نقطة التفتيش حتى يعاودوا استحضار حادثة الخميس الأسود بالهمس، يتوخّون وجود أحدٍ من أقارب المجرمين. إلا أنهم أجمعوا على الالتفاف حول المؤسسة العسكرية وإدانة عصاباتٍ أثقلت كاهل المنطقة وأهلها وزادت طين همومهم المعيشية بلّة أمنية تجعل من بعلبك الهرمل حمام دمٍ طال نزيفه.

 

طوت أيادي الغدر سنوات الجندي الشهيد رؤوف يزبك الـ21 قبل أيام، بكمين مسلّح نفذته مجموعة محمد جعفر الملقّب بـ"محمد دورة" على طريق عام بعلبك في محلّة تل الأبيض، وفتحت معها الملف الأمني البقاعي على مصراعيه من جديد، وأعادت إلى الواجهة فرضية المنطقة "الخارجة عن القانون".

 

طوت أيادي الغدر سنوات الجندي الشهيد رؤوف يزبك الـ21 قبل أيام

"جيشنا خط أحمر ومن يطلق الرصاص على الجيش اللبناني ليس منّا لأن الجندي اللبناني مقدس ومن يمسّه يمس بكرامتنا والكرامة الوطنية، وأي طابور خامس لسنا مسوؤلون عنه"... بهذه الكلمات يعبر  ياسين علي حمد جعفر أحد أبرز وجهاء عشيرة آل جعفر والمنطقة عن استنكاره لحادثة الخميس، ويؤكد باسمه وباسم عائلته أنهم غير مسؤولين عن أي تصرفات خارجة عن القانون. ويشدد في حديثه لموقع "السياسة" على أن "كرامة آل جعفر من كرامة الوطن" وأنهم "تحت سقف القانون".

 

من هي جماعة "محمد دورة"؟ 

هي مجموعة مؤلفة من محمد جعفر بعض أشقائه وأبناء عمومته، يشتهر منهم حسن وراجح جعفر، وهي المجموعة التي نصبت كميناً مسلحاً لدورية مؤللة للجيش اللبناني على طريق عام بعلبك مساء الخميس الماضي، راح ضحيته 3 جرحى وشهيد، قبل الفرار إلى وجهةٍ مجهولة.

 

ارتبط اسم هذه المجموعة وتحديداً رأس حربتها "محمد دورة"، بعشرات مذكرات التوقيف، بحسب ما يفيد مصدر أمني، "من تجارة مخدرات على نطاق واسع، الخطف مقابل فدية، سرقة، تزوير اعتداء على دوريات للجيش اللبناني والقوى الأمنية، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة". علما أن "محمد دورة" ينشط في هذا المجال العصاباتيّ منذ العام 1990.

 

كان يتخذ "دورة" وجماعته من الأماكن الشعبية وتحديداً حيّ الشراونة ملاذاً آمناً لهم، وتؤكد معلومات خاصة أنهم وبعد الكمين فروّا باتجاه القرى السورية الحدودية في ريف حمص، عبر المعابر غير الشرعية.

 

حاول "دورة" عبر عمليته النكراء الأخيرة الظهور أمام أهل بيته من آل جعفر، بمظهر "البطل" الذي أخذ بثأر جوزيف جعفر الملقب بـ"علي حمدان" الذي قضى خلال مداهمة للجيش اللبناني أواخر الشهر الماضي مع 3 من رفاق السوء، وذلك للحصول على الالتفاف الشعبي اللازم للاحتماء خلف أبناء العشيرة، بالرغم من تورطه بتسريب المعلومات عن مكان "علي حمدان" وجماعته بسبب مشاكل عائلية مع أحد أفراد المجموعة جعفر زعيتر، بحسب ما يؤكد مصدر أمني لـ"السياسة".

 

وعن الاحتماء بالأماكن السكنية المأهولة، يؤكد المصدر نفسه أن الجيش اللبناني لا ينفذ مداهمات في الأماكن المأهولة، لتحييد المدنيين "فالكثير من الإنجازات كان يمكن تحقيقها في هذا المجال ونمتنع عن ذلك خوفاً على سلامة المدنيين". ويضحد المصدر كل الروايات التي يتم تداولها حول حادثة "علي حمدان" فالجيش لم يقصد منزل حمدان لقتله بل لتوقيفه، إلا أن الأخير أجبر العساكر على ذلك بعد أن فشلت مساعي التفاوض مع حمدان وجماعته لتسليم أنفسهم، وذلك بعد 12 دقيقة من التفاوض الذي استمر خلاله أحد أفراد المجموعة "علي راجح جعفر" بإلقاء القنابل على العسكريين.

 

يرفض المصدر الأمني حصر نشاط الجيش اللبناني في المنطقة بخطة امنية، ويقول "لا خطة أمنية بل تدابير دائمة وإجراءات مستمرة، أثمرت عن توقيف عشرات المطلوبين الخطرين، والجيش عازم على ضرب أوكار الفساد، بالتنسيق مع فعاليات المنطقة، العازمة بدورها على التخلّص من هذه الجماعات"، بدليل سيل الاتصالات التي وردت للجيش اللبناني المستنكرة لتصرف هذه الجماعات، والمتبرّئة منها.

 

وعن ملاحقة "محمد دورة" يلفت المصدر إلى أن الجيش استمر بملاحقة جوزيف جعفر لـ 10 سنوات، قبل الوصول له، واليوم العمل مستمر للوصول إلى "دورة" وسيتم تخليص المنطقة من شرّه عاجلاً أم آجلاً.