الوضع الاجتماعي-السياسي في فرنسا في ضوء تحرك السترات الصفراء أسال الكثير من الحبر في المجلات الفرنسية، التي خصصت له ملفات ومقالات تحليلية
 

"فرنسا في مواجهة تاريخها" عنوان تصدر غلاف "لوبوان"، المجلة كتبت ان الرئيس ايمانويل ماكرون تراجع في النهاية امام ضغط الشارع ممثلا في احتجاجات أصحاب "السترات الصفراء" المتواصلة منذ أكثر من شهر، واستجاب لبعض مطالب تحسين القدرة الشرائية فضلاً عن التراجع على الزيادة في الضريبة على الوقود.

 واعتبرت الأسبوعية الفرنسية ان خطوة ماكرون بالتراجع في هذا المجال على امل اتمام اصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية الاخرى المبرمجة في ولايته الرئاسية، تشكل رهانا محفوفا بالمخاطر، وتساءلت "لوبوان" هل ان ماكرون سيحافظ حقا على روح برنامجه الاقتصادي.

ولاحظت المجلة في الاثناء حجم الكراهية التي يكنها بعض أصحاب السترات الصفراء لايمانويل ماكرون الذين يطالبونه صراحة بالاستقالة والرحيل.

هذا الشعور السلبي تجاه الرئيس الفرنسي ركزت عليه أيضا مجلة "ليكبريس" الأسبوعية عنونت غلافها: "الكراهية ضد ماكرون ما جذورها؟ وما ستكون نتائجها؟"، وكتبت آن روزنشير ان الصورة المُرتسَمة لدى شريحة من الفرنسيين وبدرجة واسعة في صفوف السترات الصفراء، هي ان الرئيس هو عبارة عن ملك متكبر غير مبال بمعاناة شعبه.

فرنسا بطلة "الدواوير" –تتابع الكاتبة-لا أحد نافسنا وينافسنا على تشييدها في العالم، وهي تعكس على مدى عقود هدر المال العام. والمفارقة ان الدوّار شكل محطة مفصلية في انطلاق تعبئة "السترات الصفراء" قبل شهر، منه توقفت حركة المرور واليه تسارع الصحافيون لنقل غضب المحتجين المعبّرين عن سخطهم لارتفاع الضرائب وتدهور القدرة الشرائية. ثم انتقلت الحركة الاحتجاجية من القرى والمدن الصغيرة الى المدن الكبرى مثل باريس وبوردو وليل وسانت إتيان وغيرها.

جيرار برونر أيضا كتب عن الدَوّار في افتتاحية "لوبوان" تحت عنوان "الدَوّار، هذه الشبكة الاجتماعية" معتبرا ان حركة "السُتَر الصفراء" تكمنت من خلق تطابق بين خارطة الانترنت وخارطة التراب الوطني، ما يُعد سابقة.

الدَوّار أصبح ساحة جديدة في القرية، ساحة تعبير وغضب تقول المجلة التي فتحت صفحاتها لنقل صور عن المحتجين ومطالبهم في عدد من الدواوير في مناطق فرنسية مختلفة.

أسباب الزلزال

دانييل كوهين كتب في مجلة "لوبس" ان ايمانويل ماكرون كان قد كسب الانتخابات الرئاسية على حساب انهيار الطبقة السياسية التقليدية وتراجع النقابات، فكان المجال مفتوحا امامه في ظل غياب معارضة منظمة. وذات يوم -يتابع الكاتب-قال الديغولييون "بين الشيوعيين وبيننا لا يوجد أي شيء"، ومن هذا الفراغ وُلدت انتفاضة الطلاب في أيار مايو 1968.

اليوم وبعد خمسين عاما التاريخ يعيد نفسه تقريبا، ففي ظل الفراغ في الحياة السياسية الفرنسية برزت "السترات الصفراء" كمعارضة غير متوقعة للسلطة، بدون وسيط نقابي او سياسي. فماذا حدث؟ يتساءل دانييل كوهين في مجلة "لوبس". كما لا يمكن التنبؤ بالأزمات المالية-يُقرّ الكاتب-لا يمكننا ان نتنبأ بالغضب البركاني للفرنسيين.

وعن غضب "السترات الصفراء" يقول دانييل كوهين في مجلة "لوبس" انه يأتي من بعيد: ازمة 2008 التي جمدت على ما يقرب من عشر سنوات دخل الفرد الفرنسي، والاضطراب العميق في عالم العمل الذي بدا قبل أربعين عاما. الحكومة الفرنسية الحالية بلا شك-يشير الكاتب-غير مسؤولة عن ذلك ولكنها اخطأت في تقدير النتائج. الترفيع في الضرائب على المحروقات أشعل غضب السترات الصفراء، وخطأ الحكومة الذي سيذكره التاريخ هو قرارها زيادة الضرائب على المحروقات في وقت شهد سعر النفط ارتفاعا قياسيا، فكانت الضريبة على الوقود الشرارة التي فجرت الاحتجاجات.