الصرخة التي أطلقها رئيس الجمهورية قبل جولة المشاورات التي أجراها في الأيام الماضية يبدو أنها لم تلق الصدى المطلوب عند الذين شملتهم هذه المشاورات، فلا حزب الله المعني الأول بها استساغ الأفكار التي طرحها الرئيس كمخرج لأزمة تشكيل الحكومة التي تستنزف الحكم، ولا النواب السنة الستة المحسوبين على الحزب، تجاوبوا مع تمنياته لهم بالتضحية من أجل إنقاذ البلد من الحالة المزرية التي يتخبّط فيها بسبب الفراغ المستمر في السلطة التنفيذية، ولا حتى رئيس مجلس النواب الذي يُبدي حرصه الدائم على ضرورة اقفال هذا الملف، لأن البلد لم يعد قادراً على تحمل الشلل الذي بات استمراره يعرض البلد للانهيار، وجد كما ينقل عنه، في الأفكار التي طرحها رئيس الجمهورية مثل الانتقال من مشروع الحكومة الثلاثينية إلى حكومة الـ18، ما يُشكّل حلاً للأزمة القائمة منذ أكثر من ستة أشهر. 

سعد الحريري هو الوحيد بين الذين شملتهم مشاورات رئيس الجمهورية الذي لم يقفل الباب أمامه من موقع حرصه على ان ينجح العهد الذي كانت له اليد الطولى في إيجاده، لأنه كان يُدرك مسبقاً ان هذه الخطوة التي أقدم عليها مصيرها الفشل لأنها سوف تصطدم بموقف حزب الله المصر على أن تبقى الأزمة الحكومية مفتوحة استجابة لطلب إيران التي ترى في استمرارها مصلحة لها في المعركة السياسية التي تخوضها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي ما زالت مفتوحة على شتى الاحتمالات.

وما دام رئيس الجمهورية يعرف مسبقاً نتيجة هذه المشاورات فلماذا إذاً أقدم عليها؟ هل لأنه يريد أن يقول لمن لا يزال يعرقل تشكيل الحكومة انه لن يتخلّى عن مسؤولياته وسوف يقدم على إصدار مرسوم حكومة بمن حضر وعلى مجلس النواب أن يمنحها الثقة أو يحجبها عنه وتبدأ اللعبة من جديد، وإذا كان مثل هذا الأمر وارداً في ذهنه، هل يقبل الرئيس المكلف سعد الحريري بهذه المغامرة التي ربما كان المقصود منها إزاحته من الطريق إرضاء لحزب الله ولفريق لا بأس به داخل التيار الوطني الحر يجاهر بوجوب سحب التكليف منه بعدما فشل في تشكيل الحكومة.

ربما يكون ذلك وارداً عند رئيس الجمهورية أو عند ذلك الفريق، لكن الرئيس المكلف لن يسمح بتمرير هذه اللعبة عليه، وعندما طرحت في السابق ردّ عليها بإعلان تمسكه بصلاحياته وبالدستور وبوثيقة الوفاق الوطني التي لا تعطي مجلس النواب أو أية جهة أخرى صلاحية نزع التكليف عنه، ومن هذا المنطلق يصبح موضوع تشكيل حكومة بمن حضر غير وارد في قاموسه كما انه ليست واردة فكرة الاعتذار.

أمام هذه الصورة السوداوية للمشهد العام، لا يبقى أمام اللبنانيين إلا أن ينتظروا ما هو أسوأ بكثير، إلا إذا تخلى حزب الله عن رهاناته لانقاذ حليفه.