حتى الآن، المسار المتّبع إسرائيلياً يشير إلى تحول كبير في مفهوم الصراع، فبعد أن تجلّى أسلوب الضربات المتقطعة في جنوب سوريا من أجل الوصول إلى لحظة تفاوض مناسبة مع إيران تؤمن حدود إسرائيل، تبدل الأسلوب مع لبنان واتخذ الصراع شكلاً آخر
 

خلال الأيام الماضية تلقى لبنان أكثر من رسالة وأبرزها رسالة أميركية بأن المناورات والتحركات الإسرائيلية تحت إسم درع الشمال للبحث عن أنفاق حزب الله، لن تؤدي إلى حرب عسكرية.

هذه الرسائل، أدت إلى عودة اللبنانيين  إلى يومياتهم الحكومية وقام رئيس الجمهورية بسلسلة من المشاورات بحثاً عن صيغة حلّ، دار الكثير من التحليلات والتكهنات حولها، من خلال طرح صيغ جديدة، كالعودة إلى البحث بحكومة من 14 وزيراً أو 18 وزيراً أو 24، إلا أن مصادر متابعة نفت جدية هذه الطروحات معتبرة أنها لن تحلّ المشكلة بل ستفاقمها وستعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

بالعودة إلى الجنوب، والوضع اللبناني الذي أصبح متشابكاً في جملة تطورات إقليمية ودولية، فإن ما جرى طوال الأيام الماضية، عمل الإسرائيليين إلى مراكمة ملفّ يحتوي المزيد من الشكاوى على لبنان وحزب الله، وثمة نية إسرائيلية بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة علنية لمناقشة ما يسميه كيان العدو خروقات لبنانية للقرار 1701، وباقي القرارات الدولية، متناسياً الخروقات اليومية التي يقترفها بطلعاته الجوية.

إقرأ أيضًا: الدستور واضح لا داعي للتذاكي

ثمة رأي مخالف لهذه الرؤية، يعتبر أن الإسرائيليين يراكمون ملف الهجمة الديبلوماسية على حزب الله ولبنان، من خلال هذه الإثباتات التي تتحقق منها اليونيفيل، وتثبت أن حزب الله خرق الخط الأزرق، وعمل على تشييد أنفاق في نطاق عمل القرار 1701، على أن تكون هذه الإثباتات مستندات تستخدمها إسرائيل لاحقاً، في أي لحظة جنون، لتبرير قيامها بعمل عسكري ضد لبنان، ولحشد أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي، وتحويل الدولة اللبنانية إلى صورة تمثّل غطاء لأنشطة حزب الله.

حتى الآن، المسار المتّبع إسرائيلياً يشير إلى تحول كبير في مفهوم الصراع، فبعد أن تجلّى أسلوب الضربات المتقطعة في جنوب سوريا من أجل الوصول إلى لحظة تفاوض مناسبة مع إيران تؤمن حدود إسرائيل، تبدل الأسلوب مع لبنان واتخذ الصراع شكلاً آخر.

إقرأ أيضًا: ليبقى الخلاف تحت سقف الدستور لا الإنقلاب عليه

أوحى الإسرائيليون من خلال فتحهم لملف الأنفاق، وإدعائهم بأن عملية البحث عنها ستكون طويلة، أن عنواناً جديداً ستفرضه على هذه المرحلة، هو الحرب الإعلامية الأمنية المفتوحة، على أن تظهر إسرائيل أنها لا تريد الدخول بحرب مباشرة ولا بمواجهة شاملة. لكنها، عملياً، بدأت حرباً من نوع آخر، تستعيض بها عن الحرب المفترضة والتي لطالما هددت بالقيام بها.

وحتى هذا التصعيد الديبلوماسي والسياسي من قبل الإسرائيليين، فهو لن يهدف إلى فتح معركة عسكرية أو مواجهة مباشرة، كل المؤشرات تفيد بأن ذريعة الأنفاق تتخذها إسرائيل للضغط وتحقيق بعض النقاط العالقة من خلال التفاوض وليس من خلال الحرب، لعلّ هذه الضغوط الدولية والديبلوماسية المترافقة مع عقوبات اقتصادية على إيران ومالية على حزب الله تدفعهما لتقديم المزيد من التنازلات بما يحقق حماية الأمن الإسرائيلي، وبالتالي هناك من يعتبر أن هذا الصراع الإعلامي المفتوح سيكون هدفه الذهاب إلى التفاوض وليس إلى الحرب، على الرغم من كل الأصوات المرتفعة والمهددة.

يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في لحظة سياسية حساسة تمرّ بها المنطقة والعالم، يشعر الإسرائيليون وكأن المنطقة تقف على حدود الدخول إلى التسويات في المرحلة المقبلة، والإستراتيجية الإسرائيلية التاريخية معروفة دائماً، وهي الدخول بشكل مباشر على خطّ الصراعات في فترة ما قبل التسويات، لتكون هذه التسويات بجزء منها من نسج الإسرائيلي، بهدف ضمان منطقة نفوذه وحصته السياسية في المعادلة، وهذا سيكون له مساران، الأول وهو استمرار الغارات في سوريا، والثاني الضغط الديبلوماسي في لبنان، لأجل دخول بازار التفاوض مع الإيرانيين تحضيراً للمرحلة اللاحقة.