بعد الانتخابات النيابية «غيّر» رئيس «اللقاء الديموقراطي» تيمور جنبلاط رأيه في السياسة. هو لا «يكرهها»، كما صرّح سابقاً، لكنه يملك، وفق قريبين منه، مقاربةً مختلفة ليس فقط عن والده الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بل عن كافة النواب الشباب الذين باتوا يتجوّلون «بالنمرة» الزرقاء. مع ذلك، ثمّة مَن يجزم بأنّ تيمور رَضَخ باكراً جداً لـ «سيستم» العمل التقليدي، والأرجح أنه لن يخرج منه!
 

قبل أيام قليلة جداً من تقليد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في 19 آذار 2017 نجله تيمور الزعامة الدرزية، في الذكرى الأربعين لاغتيال كمال جنبلاط، لم يتردّد وريثُ المختارة في حديث الى صحيفة «الشرق الأوسط» في الاعتراف: أنا أكره السياسة!

لم يُكذّب تيمور لحظة «الاعتراف». في كل ما يفعله الشاب المندفع «لأن يكون غير» تتفوّق نزعة التحرّر من «أعباء» العمل الزعاماتي على أيِّ شئٍ آخر. «فيديو» عين التينة، الذي بدا فيه كمَن يُسمّع درساً في مادة لا يفتح كتابها، مجرد تفصيل بسيط وسخيف مقارنة بواقع «قاس» على المختارة. فتيمور لا يبدو من طينة «الورثة» السياسيين الذين «يستقتلون» لحجز مكان لهم على خريطة السياسة. الزعامة عاجلاً أم آجلاً في إنتظاره، كذلك الطائفة.

إن نطق أو لم ينطق. المشكلة أنه، بعد أن غيّر رأيه في السياسة، لا يبذل جهداً لإقناع مَن يرصده أنه «مُنتَج» مختلف في آلية التوريث، و»إنغماسي» في زواريب السياسة والطائفة لكن بعقلية أكثر حداثة. المشكلة الأكبر، وفق عارفيه، أنه «مُكره» لا يزال يخضع لـ«الهيمنة» الكاملة لوليد جنبلاط في شؤون الحزب وملفات السياسة، من أصغرها الى أكبرها.

يعترف أحد الوزراء الشباب البارزين الذي إستضاف أخيراً تيمور جنبلاط على مائدة عشاء يزيّنها النبيذ الفرنسي «يصعب جداً أن يكون وليد جنبلاط آخر. خجول، قليل الكلام، لا يزال كما عرفته منذ البداية لجهة طبعه وشخصيته، لكن بالتأكيد هو يحمل افكاراً جديدة ومندفع جداً في طرح مشاريع تُعنى بالملفات الاجتماعية والشبابية».

صاحب أعلى صوت تفضيلي في الشوف والبالغ 11472، يجزم دوماً أنّ «سياسته العامة» ستكون شبيهة بسياسة والده، وإن يصعب فعلاً تكوين صورة دقيقة عن «سياسة وليد بيك».

أما في تفاصيل الحكومة، فتيمور الذي يتفرّج على والده «يولّع» وسائل التواصل الاجتماعي بـ «تغريداته»، لديه مواقف غير بعيدة فعلاً عن مقاربة وليد جنبلاط للعقد الحكومية: في الموضوع الدرزي تقبّل التنازل الذي قدّمه رئيس الحزب الاشتراكي، مانحاً النائب طلال إرسلان حرية إختيار وزير يمثّله داخل الحكومة، وذلك من زاوية إزالة أحد الألغام من أمام ولادة الحكومة ولكي لا تكون المختارة في «بوز مدفع» التعطيل الحكومي.

أما لناحية العقدة السنّية فتيمور، كوالده، يرى أنّ كتلة النواب السنّة المستقلين «رُكِّبَت» بعد الانتخابات، والحلّ المنطقي تحت ضغط المطالبة بتمثيل سنّة 8 آذار في الحكومة، أن يكون توزير هؤلاء، أو مَن يمثلهم، من حصة رئيس الجمهورية.

لكنّ الجواب الرسمي لتيمور في ما يتعلق بالعقدة السنّية «من جهتنا قدّمناً تنازلاً في شأن المقعد الدرزي الثالث، والآن العقدة ليست عندنا، لكنّ الإسراع في تأليف الحكومة مطلوب بإلحاح لأنّ الوضع الاقتصادي ضاغط جداً».

منذ إنتخابه نائباً يواظب تيمور على ترؤس إجتماعات «اللقاء الديموقراطي» الدورية. لا شك في أنّ أسلوب إدارة هذه الاجتماعات بالنسبة لأعضاء «اللقاء» إختلف كلياً عن مرحلة «وليد بيك».

ميزة هذه الاجتماعات في «عهد تيمور» أنها إستقبلت على مدى الأشهر الماضية متخصصين وخبراء إقتصاديين، وأيضاً معنيين بأزمات عدة كالكهرباء وملفات بيئية، من أجل نقاش هادئ وبنّاء في الصيغ المحتملة للحلول، لكنّ المطّلعين يؤكّدون أنّ كل مَن إستضافهم الحزب أو «اللقاء» لم يقدّموا أفكاراً عملية حديثة تتماشى مع متطلبات الواقع وتطوّر المفاهيم.

بالمحصّلة، أعدّ الحزب التقدمي الاشتراكي «الورقة الاقتصادية» التي طرحها جنبلاط ونواب «اللقاء» أمام القيادات السياسية مدشّناً جولته على الرؤساء الثلاثة.

وقد أتت زيارة تيمور يرافقه النائب هادي أبو الحسن ومستشاره حسام حرب الى القصر الجمهوري من ضمن هذه الجولات، بناءً على موعد مسبق، وليس من ضمن «إستدعاءات بعبدا» للقيادات السياسية، وقد لاقت الخطة ترحيب عون الذي وَضع أيضاً زواره في صورة مشاوراته الأخيرة في شأن تأليف الحكومة.

عملياً، يحيط تيمور نفسَه بفريقٍ إستشاريٍّ كبير، لا تزال تغلب عليه بقوة تأثيرات «عقلية» الحرس القديم، حتى لو بوجوه شبابية. لا غرابة في ذلك.

فـ«الاشتراكي» حزب رئاسي حديدي تتفوّق فيه أوامر «الريّس» على أيِّ شيء آخر. الوزير والنائب والرئيس السابق لـ «اللقاء الديموقراطي» لا يزال الآمر الناهي، وكل محاولات العصف الفكري لتيمور، ومشروع تكريسه لمفاهيم عصرية داخل «حزب كمال جنبلاط» تقف عند عتبة «الريّس».

حتى «الخطة الاقتصادية» لا تحمل، في رأي قريبين من تيمور، أيَّ نفحة تحاكي التطورات الهائلة اليوم وتكاد تغرق في «ماركسيتها»!

يبدو وريث البيت الجنبلاطي مندفعاً في البدء من الصفر. مع ذلك، تستنزف «طقوس» الزعامة كثيراً من وقته. «بيت مفتوح» في المختارة وكليمنصو كل ثلثاء وسبت، وخدمات، وواجبات اجتماعية... المراهنون من محيطه على إحداثه نقلة في الحزب العتيق يتهمونه بـ«الكسل» ويقولون إنّ سطوة رئيس الحزب و»كَسل» تيمور لا يبشّران بزعامة خارجة عن التقليد!