تمكّن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تحقيق نصر جزئي جديد على كبار خصومه من أبناء عائلته السياسية الشيعية الذين يضع “معركته” ضدّهم تحت عنوان الدفاع عن استقلالية القرار العراقي على اعتبار هؤلاء الخصوم هم من رموز الموالاة لإيران، ويضمنون لها تأثيرا في القرار العراقي وفي توجيه سياسات البلد وجهة تخدم المصلحة الإيرانية.
 
واستعاد التيار منصب محافظ بغداد متغلّبا على خصمه المباشر نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وعدد من حلفائه المقربين من كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية.
 
ودفع الصدر بمرشحه فاضل الشويلي، إلى منصب محافظ بغداد، بعدما حشد له أغلبية كبيرة داخل مجلس المحافظة الذي تمثّل الصراعات السياسية داخله نسخة مصغرة عن السجال النيابي تحت قبة البرلمان بين حلفاء طهران ومن يرفعون راية الاستقلال عنها.
 
وفي مؤشّر على تزايد قوّة وتأثير الصدر على الساحة العراقية في مقابل تراجع قوّة المالكي الذي سبق له أن ترأس الحكومة طوال ثماني سنوات متتالية، عجز ائتلاف دولة القانون عن تأجيل جلسة انتخاب المحافظ الجديد وسقطت محاولته أمام الأغلبية التي حشدها التيار الصدري، وذلك بعد أن كان الائتلاف ذاته قد نجح قبل عامين في انتزاع منصب محافظ بغداد من كتلة الصدر، حين تمكّن المالكي من الإطاحة بالمحافظ الأسبق لبغداد علي التميمي وهو أحد المقربين من مقتدى الصدر ليسند المنصب لعطوان العطواني القيادي في دولة القانون بعد صراع سياسي محتدم داخل مجلس المحافظة.
 
وبمجرد فوز العطواني بمقعد عن دائرة بغداد في مجلس النواب بدأ الصدريون حراكهم لاستعادة المنصب فنجحوا بدعم من كتلتي عمار الحكيم وإياد علاوي، وبعض الأعضاء السنّة في مجلس المحافظة.
 
واكتسى هذا “الإنجاز” بعدا رمزيا يتجاوز أهمية المنصب المتحصّل عليه بحدّ ذاته نظرا للسياق الذي جاء فيه، وهو سياق الصراع الدائر على استكمال تشكيل حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، حيث اتضحت معالم المواجهة بين التيار الصدري وحلفائه الرافعين للواء الاستقلال عن دائرة التأثير الإيراني من جهة، وحلفاء إيران من جهة مقابلة.
 
ولخّص الخلاف الحادّ على منصب وزير الداخلية حدّة الصراع بين الطرفين.
 
وسعى تحالف البناء الذي يقوده هادي العامري زعيم منظمة بدر المقرّب من إيران لإسناد هذه الحقيبة الوزارية بالغة الأهميّة لفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، لكنّ اعتراض الصدر وحلفائه أحبط هذا المسعى الذي تحوّل إلى عبء على أصحابه.
 
وتقول مصادر عراقية أن الأطراف المشاركة في تحالف البناء في مجلس النواب العراقي تدرس التخلي عن ترشيح الفياض لمنصب وزير الداخلية بعد أن عجزت عن تجاوز اعتراض الصدر عليه.
 
وعلمت “العرب” من مصادر سياسية مطلعة في بغداد أن “العامري، أبلغ قيادات تحالف البناء بموقفه الذي يؤكد انعدام جدوى التمسك بالفياض، في مواجهة ثبات الاعتراض الصدري الذي يلقى تأييدا مؤثرا من إياد علاوي وعمار الحكيم وحيدر العبادي وأسامة النجيفي، داعيا إياهم إلى بدء المشاورات لترشيح شخصية بديلة لحقيبة الداخلية.
 
وستمثل إزاحة الفياض عن قائمة المرشحين فرصة سانحة لاستكمال الكابينة الوزارية المنقوصة من ثماني حقائب، كما ستسلط الضوء على الثقل الكبير الذي أصبح يمثله الصدر في الساحة السياسية العراقية في مواجهة النفوذ الإيراني المتجذّر.
 
وليس واضحا ما إذا كان تحالف البناء سيختار مرشحا مستقلا، تلبية لرغبة الصدر، أم أنه سيسمي شخصية حزبية.
 
وقال عبدالمهدي في وقت سابق إن “هناك وزراء كانت لرئيس الوزراء الحرية في اختيارهم دون أي تدخل من أي طرف”، في إشارة إلى وزراء النفط والخارجية والكهرباء والصحة، مشيرا إلى “أن بقية الوزراء يتم اختيارهم نتيجة اتفاقات سياسية”.
 
وأضاف أن “الكتل السياسية، ولا سيما كتلتي البناء والإصلاح هي التي قدمت الأسماء، ورئيس الوزراء عليه أن يختار من هو أقرب إليه من ناحية الكفاءة وتشكيل التوازن السياسي”، مؤكدا أن “الكتل السياسية هي التي تختار المرشحين لوزارتي الدفاع والداخلية”، وهو ما اعتبر ردا مباشرا على العامري الذي يقول إن الفياض هو مرشح رئيس الحكومة، وليست لتحالف البناء يد في اختياره.
 
وتقول المصادر إن الاعتراض الصدري على الفياض، لا يقوم فقط على فكرة ضرورة استقلالية المرشّح، بل لأنه يمثل رأس الرمح في مشروع إيراني جديد يستهدف الاستحواذ على حقيبة الداخلية التي تشرف على أمن الحدود ومعابرها بين العراق وإيران.
 
ويرتبط العراق بحدود واسعة مع إيران. وتقول أوساط سياسية في بغداد إن “التهريب عبر الحدود بين العراق وإيران، ربما يكون إحدى أنجع الوسائل لتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية على طهران”.
 
وأعلن رئيس الوزراء العراقي نيته إرسال وفد إلى الولايات المتحدة، سعيا للحصول على إعفاء من العقوبات المفروضة على إيران بما يسمح لبغداد مواصلة استيراد الغاز من طهران.
 
وأشار عبدالمهدي إلى أن “موضوع الغاز يتعلق بأمر حساس وهو الكهرباء، والجانب الأميركي يتفهم هذا الوضع ويحاول التعامل مع العراق لإيجاد طرق تجنّب الضغط عليه”.