النظام السياسي الذي صنع هزيمة القوات المسلحة هو ذاته الذي صنع هزيمة تنظيم داعش بذات النظام السياسي وبزعامة رئاسة وزراء وقائد عام للقوات المسلحة من حزب الدعوة في كلا الحالتين.
 

احتفل العراق بيوم النصر على داعش وهو يتأبط احتفال نظامه السياسي باليوم العالمي لمكافحة الفساد وذلك بتموضعه في المركز 169 من بين 180 دولة، أي إنه يحتل بجدارة توصيف الأسوأ مع 10 دول أخرى؛ ويحتفل كذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للإبادة الجماعية، الذي صنفت فيه الأمم المتحدة الجرائم الممنهجة ضد المجموعات البشرية لأسباب قومية أو دينية أو إثنية أو عنصرية.

يصادف الاحتفال أيضاً، تسلم المواطنة العراقية نادية مراد جائزة نوبل للسلام كناشطة إيزيدية تعرضت للاغتصاب أثناء هجوم تنظيم الدولة الإرهابي على مدينة الموصل وبلداتها المترامية في يونيو 2014.

بالإمكان المواصلة في عرض ما يحيط الاحتفال بالذكرى الأولى للانتصار من أحداث وتقارير محلية وإقليمية ودولية تتعلق بالكوارث المتصلة بقاطرة الاحتلال الأميركي التي جرت خلفها، ومازالت، عربات محملة بمقاصد السياسة الإيرانية، وما تعمدته من إلحاق الأذى بدعائم دولة العراق في الاقتصاد والتعليم والصحة والأمن والسلم المجتمعي.

الملايين من النازحين وقرابة 50 ألف قتيل من المدنيين؛ تلك كانت أثمان تحرير المدن المحتلة من تنظيم الدولة، يضاف إليها أرقام غير معلنة لأعداد القتلى من القوات المهاجمة بمختلف الصنوف والواجبات والرايات، بما يزيد ربما عن الضحايا الأبرياء من سكان المدن؛ هؤلاء جميعاً من أبناء العراق.

هل كانت القوات المسلحة والقوات الأمنية وجهاز مكافحة الإرهاب غير قادرة على التصدي لتنظيم داعش بمجموعاته قليلة العدد والعتاد يوم احتلال الموصل؟ الجواب في كمية وتنوع الأسلحة التي غنمها داعش ثم ما استخدمه في إطالة أمد تواجد دولته وتمدده في العراق أو الشام أو أماكن أخرى.

النظام السياسي الذي صنع هزيمة القوات المسلحة هو ذاته الذي صنع هزيمة داعش بذات النظام السياسي وبزعامة رئاسة وزراء وقائد عام للقوات المسلحة من حزب الدعوة في كلا الحالتين.

بين العاشر من يونيو 2014 والعاشر من ديسمبر 2017 يكمن المخطط الذي يرقى إلى جرائم الإبادة في أكثر من فقرة ضمن توصيف المادة الثانية الواردة في الاتفاقية الأممية المكونة من خمس فقرات، أولها القتل ويلحق بها الأذى الجسدي والروحي، ثم إخضاع المجموعة البشرية لظروف معيشية لقصد التدمير المادي الكلي أو الجزئي، وفرض تدابير لتقليل ومنع الإنجاب عدا ما يخص مصير الأطفال؛ بمعنى أن الأدلة التي تنطبق على ارتكاب داعش فظاعات وانتهاكات الإبادة الجماعية تنطبق، بشكل أوسع وأكثر منهجية، على النظام السياسي في العراق.

الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وإدارته لم يتوقفا طويلاً عند آثار الإهانة التي تعرض لها السلاح الأميركي وكيف تم تسليمه، كما لو كان هدية أو مكافأة من وسطاء إيران لتنظيم داعش، للتعجيل في توقيع الاتفاق النووي مع ملالي طهران دون إملاءات أو اشتراطات فاعلة لمنع إيران من امتلاك مؤجل للسلاح النووي، أو تقييد برامج تسليحها الصاروخي أو لجم طموحاتها في تصدير مشروعها إلى المنطقة.

احتلال الموصل وثلث مساحة العراق أدى إلى فتح أبواب التدخل العسكري في العراق وسوريا وتحويل الميليشيات الطائفية الإيرانية بتعصبها العقائدي والفكري إلى قوات رديفة للقوات المسلحة وبشرعية قانون نيابي تم الدفع به للتصويت في ظروف متشنجة وبدعم من فتوى المرجعية المذهبية.

الإخفاق الأميركي في الكونغرس أو مجلس النواب في محاسبة قادة الاحتلال في العراق من سياسيين وعسكريين، كان تقصيراً مبرراً ومفهوماً لعدم إحراج البيت الأبيض في جدوى تدريبه وتسليحه لفرق عسكرية تنوء تحت إرادة سلطة خاضعة لإيران ولقيادة قوات الحرس الثوري أو فيلق القدس تحديداً.

نتائج الإخفاق كانت وراء التصاعد المتسارع في تلويح الرئيس دونالد ترامب المتكرر بالانسحاب من الاتفاق النووي، ثم اتخاذ القرار في مايو 2018 وإعادة العقوبات وتشديدها بعد اتضاح كامل لأسرار العلاقات الإيرانية مع التنظيمات الإرهابية إن في الدعم المالي أو اللوجستي أو في تسخير الأراضي كمراكز إيواء أو معسكرات تدريب أو كممر إستراتيجي لتنقل الإرهابيين إلى الجوار الإقليمي أو العالمي.

تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني عن عدم قدرة نظامه على منع تسلل الإرهاب بسبب ضغط العقوبات، هو تهديد واسع النطاق لإطلاق الإرهاب في كل مكان تحت جنح الهجرة واللجوء لانعدام فرص العيش في إيران. وهي رسالة فاضحة لتدبير تمويل الميليشيات ذاتياً من تجارة المخدرات أو النفط وهما تجارتان رابحتان في العراق، رغم أن الدولة كنظام سياسي لا تخفي ولاءها لولاية خامنئي والحرس الثوري بما خصصته من أموال للحشد الشعبي تردد صداها حتى في استقطاع نسبة من رواتب موظفي الدولة ومستحقات المتقاعدين.

أما الفساد المستشري في مفاصل الدولة فالأرقام تفضحه بعدد الملفات التي تتجاوز عشرة آلاف قضية وأوامر قضائية بحق العشرات من الوزراء والسفراء والمدراء، وبهدر مالي يقترب من 350 مليار دولار عدا عن تدهور سمعة العقود الاستثمارية مع العراق وفقدان الثقة بمعظم الوفود الرسمية على اختلاف مهماتها، حتى أصبحت مثار تندر في الأوساط الدبلوماسية الخارجية لجهل تلك الوفود بمهماتها أو تقاليد التعامل أو لفرضها شروطاً لإتمام الصفقات بعضها له علاقة بالاستجمام.

الجرائم ذات الصلة بالإبادة لا تسقط بالتقادم، والاحتفال بالذكرى الأولى لتحرير الموصل من تنظيم الدولة، لن يكون ذا مغزى دون إحالة النظام السياسي برمته إلى العدالة نتيجة غيه واستمراره في المحاصصة الطائفية وتحويله الصراعات الحزبية والمذهبية إلى صراع مجتمعي يستدر المنافع المالية والأيديولوجية، ودون التفكر في أي خط للرجعة؛ ويكفينا مثالاً تجربة احتلال الموصل وتكاليف تحريرها وكارثة البصرة ومقارنتها بما يصدر عن ترشيحات لمنصبي الداخلية والدفاع من مهاترات في مجلس النواب، والأدهى الترشيح لمنصبي نائبي رئيس الجمهورية.

احتلال الموصل وتحرير الموصل يعني تدمير الموصل وأكثر من مليون ونصف المليون من المشردين مازالوا في الخيام، وما أضيف إليهم من زيادات بسبب الإعادة الجبرية للمقيمين في المخيمات داخل الأرض السورية مع وطأة الأمطار والبرد والفيضانات ونقص إمدادات الغذاء والمساعدات لهبوط معنويات المنظمات الدولية الداعمة، لاستمرار الأزمة وتراجع الثقة بأداء النظام السياسي في الإعمار أو فرض الأمن والاستقرار وتوفير فرص العمل أو الخدمات.

جائزة نوبل للمأساة الإيزيدية، تعميق لصمت المجتمع الدولي تجاه تقطيع أوصال الكارثة العراقية، ولخلق مساحة تصديق معقولة لما جرى من عنف بإمكان العالم أن يتفهم دوافعه وحصرها بالتأسي على ضحاياه والتعاطف معهم لهول المجزرة وهمجيتها. لكن الجائزة بمثابة إدانة لنظام سياسي من صناعة الاحتلال، نظام استحق جائزة نوبل في وجهها الآخر، لأنه فرّط بكل شيء في العراق؛ كل شيء.