إستطاع حزب الله وإعلامه، أن يتحكم حتى بمشاعر الجنوبيين وما يجب أن يبدوه من أحاسيس أو يكظموه بقرار حزبي
 

 

تعريف النفاق لغة، هو إظهار المرء خلاف ما يبطن، ويعتبر أصحاب الإختصاص أن النفاق هو ظاهرة إنسانية تنمو مع الإنسان وتتطور معه، فالطفل مثلاً  ببراءته العفوية لا يمارس النفاق فيتقدم من صحن الحلوى أو الطعام حال الجوع بدون أي تردد أو مراعاة للظروف التي تحيطه على عكس الكبير الجائع الذي يدّعي التعفف والشبع حين دعوته، بخلفية الخجل أو لأي سبب آخر .

 

وبالرجوع إلى الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، وما يجري هناك من تحرشات قد تتدحرج إلى ما هو أسوء وصولاً ربما إلى إشتعال الجهة واندلاع حرب يُقال أن ال2006 ستكون عبارة عن جولة صغيرة بالقياس مع المتوقع الآن .

 

في هذه الظروف الملبّدة، يُحاول إعلام حزب الله أن يُقارب الموضوع بطريقة بدائية سخيفة، من خلال القول أن أهل الجنوب هم بأعلى درجات الإطمئنان والراحة النفسية، فهم الشجعان الذين لا يقيمون وزناً للحرب والحروب وها هم يعقدون جلسات الأرغيلة، واللقاءات مع الأفراد والنسوة والعمال والفلاحين  بالقرى الحدودية كلهم أمام الميكريفون والكاميرات ينضحون بالبطولة والشجاعة واللا مبالاة .

 

ونحن نعرف أن معظم هؤلاء هم يكذبون وينافقون، باعتبار أن هذا النفاق هو نفاق يصب في خدمة المواجهة مع العدو، ويصنّف ضمن ما يسمى بالحرب النفسية مع العدو، وهذا ما يشجع عليه إعلام " المقاومة " ويعتبره مفخرة لأهل الجنوب في حين أنهم ( الأهالي ) بحالة جهوزية تامة للنزوح والهروب والتهجير عند أول طلقة أو أول غارة لا سمح الله .

 

للأسف فقد إستطاع حزب الله وإعلامه، أن يتحكم حتى بمشاعر الجنوبيين وما يجب أن يبدوه من أحاسيس أو يكظموه بقرار حزبي، وهذا ما يمارس حتى على الأم الثكلى التي تفقد ابنها، فعليها أن تظهر كامل جأشها أمام الكاميرات ولا بأس بعد ذلك  أن تتلوى ألماً وحرقةً ولوعةً في أناء الليل على فراشها وحيدة وأن تبلل بدموع عينيها وسادتها باعتبار أن هذا " النفاق " يخدم المقاومة  والمقاومين فلا يحبط حماسة باقي أمهات المجاهدين ويرعبهن على أولادهن.

 

 

إقرأ أيضا : سعد الحريري إلى أين؟

 

 

هذه الحالة النفاقية التي يعمل الحزب وإعلامه على ترويجها بإستمرار، حتى تحولت إلى ظاهرة شبه طبيعية، لا أعتقد أنها تخدم أهداف نبيلة أو تساهم ببناء مجتمع سوي !! فمن قال أن الخوف مثلاً هو شيء معيب يجب التستر عليه ؟ إلا إذا كان المقصود هو الهروب من المساءلة عن مسؤوليات المعنيين ببناء الحد الأدنى من وسائل الصمود لجبهتنا الداخلية، فحتى لا يلتفت المواطن إلى عدم وجود مستشفى ميداني أو ملجأ أو وسيلة نقل للإبتعاد إلى أماكن آمنة وما إلى هنالك فنقول له أنك أنت مواطن شجاع لا تخاف وبالتالي فلا داعٍ لكل هذه الأمور وهنا تحديداً يكمن خطر اللعب بالمشاعر .

 

هذا فضلاً عن الجانب الأخلاقي والتربوي ، فإن الإعتياد على إظهار مشاعر كاذبة ومتناقضة مع حقيقة الأمر الواقع يخلق إنسان غير سوي وبالتالي مجتمع منافق لا يمكن أن يصمد أمام أول عصف حقيقي يقدر فيه أن يعبّر عن حقيقة مكنوناته تماماً  كما حصل بعيد إجتياح 82.

 

الحزن ليس عيباً فالإمام زين العابدين ( ع ) هو أحد البكائين الخمسة،  والإحساس بالخوف ليس عيباً  فنبي الله موسى " خرج منها خائفاً يترقب ... " ، إنما العيب كل العيب هو في خلق إنسان منافق يضطر أن يقول عكس ما يضمر وأن يمارس عكس ما يفكر، والمجتمعات المقاوِمة لا تُقام على النفاق بل على الحقيقة والشفافية والصراحة .