أعاد رئيس الجمهورية ميشال عون تحريك ملف الحكومة بعد جمود المشاورات في الفترة الأخيرة وفشل حراك وزير الخارجية جبران باسيل في إحداث خرق في الأزمة وتحديدا لحلّ «عقدة تمثيل نواب سنة 8 آذار». واجتمع عون أمس مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، على أن تتوسّع دائرة لقاءاته في الأيام المقبلة مع أطراف أخرى إذا اقتضى الأمر، «لوضع الجميع أمام مسؤولياته»، حسب ما قالت مصادر رئاسة الجمهورية.

وعبّر الحريري بعد لقائه عون عن تفاؤله بإمكانية التوصّل إلى حلّ لأزمة الحكومة، مؤكدا حرصه وعون وبري على حماية الدستور. وقال الرئيس المكلف الذي سيغادر بيروت اليوم في رحلة أوروبية: «هناك حلول من الممكن السير بها، والرئيس عون سيستكمل مشاوراته في هذا الإطار إلى حين عودتي نهاية الأسبوع»، معتبرا أن هناك بعض الأطراف التي تريد تأليف الحكومة في وقت هناك أطراف أخرى تسعى إلى عكس ذلك.

وأتت مبادرة عون بعد مرحلة من الجمود شهدت في الأيام الأخيرة مزيداً من التعقيد مع تمسك كل طرف بموقفه وتبادل الاتهامات بالمسؤولية، حتى إنها وصلت إلى حدّ التوتّر بين عون والحريري بعد تلويح الأول بإرسال رسالة إلى البرلمان اللبناني للبحث بأزمة الحكومة. وأوضحت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن ما يقوم به عون هو «نوع من المبادرة» تهدف إلى لقاء المسؤولين والمعنيين بملف تأليف الحكومة وطرح بعض الأفكار لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم وإخراج الحكومة والبلاد من الأزمة التي تمّر بها.

ووصفت المصادر اللقاء الذي جمع عون برئيس البرلمان والرئيس المكلف بـ«الممتاز»، آملة التوصل إلى حلّ قريب بين المعنيين بعدما بات التواصل بينهما «بالواسطة». ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر مطلعة قولها إن «سلسلة اجتماعات عقدت في القصر الرئاسي أول من أمس بين الرئيس عون وفريق مستشاريه أسفرت عن اتفاق على التشاور المباشر بين الرؤساء الثلاثة، بحثاً عن مخرج يقي لبنان الانهيار عبر تشكيل الحكومة، بعيداً من الطروحات التي أدت إلى توتر العلاقات بين عون والحريري والتي لم يوافق عليها بري. ولفتت إلى دفع قوي في اتجاه استيلاد الحكومة قبل الأعياد».

وبعد التوتّر الذي سجّل الأسبوع الماضي على خط رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، أكد مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان أمام زواره، أن «صلاحيات الرئيس المكلف هي ركن أساسي في اتفاق الطائف، وركن مهم من أركان بناء الدولة ونهوضها، ولا يمكن لأحد أن يتجاوز هذه الصلاحيات بإيجاد أعراف وشروط مخالفة للنصوص الدستورية». ودعا القوى والشخصيات السياسية إلى «الالتزام نصاً وروحاً بالدستور واتفاق الطائف وبالحفاظ على كرامات الناس وقياداتهم، والتقيّد بالصلاحيات المنوطة بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية»، منبّهاً إلى «خطورة المس بصلاحيات الرئيس المكلف الذي يسعى جاهدا إلى إنجاز مهمته بتشكيل الحكومة التي هي حاجة وطنية، ومن يضع العقبات المتتالية ويتجاوز صلاحيات السلطات المنصوص عليها دستوريا».

وحول رسالة رئيس الجمهورية إلى البرلمان حول الأزمة الحكومية، قال النائب في «كتلة التيار الوطني الحر» ماريو عون إن توجيه هذه الرسالة أمر دستوري، وممكن أن يلجأ إليه الرئيس في أي وقت ولكنه حتى الساعة لا يزال متريثاً، إفساحاً في المجال أمام مزيد من الطروحات والمشاورات لتشكيل الحكومة».

وإذ لفت إلى أن «موضوع التأليف يراوح مكانه»، أكد «أن لا خلاف أو تصعيد متبادلا بين عون والحريري ونحن نصر على أن يشكل الحريري الحكومة»، مشيرا إلى «أن الموضوع الحكومي داخلي بحت إلا أن هناك بعض الآذان الصاغية للخارج ما سيعرقل عملية التأليف أكثر».

في المقابل، استمرّ «حزب الله» في تحميل الحريري مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة برفضه تمثيل «سنة 8 آذار»، وقال عضو المجلس المركزي في «حزب الله» نبيل قاووق إن الأزمة الحكومية التي بلغ عمرها 200 يوم منذ تكليف الحريري، «تزداد تعقيداً، وتستنزف اقتصاد لبنان ومعنويات اللبنانيين، وبدل من أن نقترب من الحل، نبتعد عن الحلول»، واعتبر أن «المشكلة هي أن الرئيس المكلف لا يريد أن يقر ويعترف بنتائج الانتخابات النيابية التي أنتجت معادلات جديدة، وجعلت من السنة المستقلين جزءا من المعادلة السياسية لا يمكن إقصاؤهم أو تغييبهم أو تجاهلهم، فهناك حق أنتجته صناديق الاقتراع للسنة المستقلين، وبالتالي نحن في حزب الله نقف إلى جانب حقهم في أن يكونوا ممثلين داخل حكومة الوحدة الوطنية».

وأوضح أن «هناك حلولا متاحة تجعل الجميع رابح، وهناك صيغة حل لا تكسر ولا تقصي أحدا تضمن توزير السنة المستقلين»، سائلاً: «هل من المصلحة والحكمة والحرص على الحكومة تضييع الفرص تلو الفرص؟ وعليه فنحن أمام أزمة مستمرة».