“ضاعت الطاسة” في عملية تأليف الحكومة، في ظل المواقف المتناقضة للتيارات السياسية التي تقول وتفعل الشيء ونقيضه.. رئيس الجمهورية ميشال عون ينتقد الرئيس سعد الحريري ولا يتخلى عنه، ويهدد بالرسالة الى مجلس النواب، ثم يجمدها.. قوى 8 آذار تتمسك بالرئيس المكلف ثم تهاجمه وتضغط عليه محاولة فرض أعراف جديدة.. الحريري لا يعتذر ولا يرضخ، ويطالب بتذليل العقبات لتشكيل حكومته ويرفض التنازل في تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين.. حزب الله يتمسك بتفاهمه مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ويرفض إعطائهما الثلث المعطل..

الكل في لبنان أسير التوازنات، ما يجعل أي إنقلاب على التسوية الرئاسية أو على الرئيس المكلف غير وارد في الوقت الراهن، خصوصا أن الحريري ما يزال يشكل ضرورة للحفاظ على هذا التوازن، وأن إعتذاره أو الاطاحة به يعني أن لبنان سيكون أمام منعطف خطير سياسيا وإقتصاديا، قد يضرب أمنه وإستقراره وإقتصاده ويضعه على فوهة بركان.

من الواضح أن حزب الله لم يعد يمارس الزهد في السلطة كما كان في السابق، بل هو يسعى الى القبض عليها بشكل غير مباشر، من خلال حضور وازن له ولحلفائه في الحكومة، ما يجعله يتمسك بعدة لاءات، أولها لا للثلث المعطل لأي طرف في الحكومة، وثانيها لا حكومة من دون تمثيل الحلفاء في سنة 8 آذار، وثالثها لا لثنائيات سياسية وخصوصا سنية ـ مارونية تكون قادرة على الامساك بالسلطة ما يضعف دور فريقه السياسي.

هذه اللاءات تقابلها لاءات مماثلة من الرئيس الحريري وهي: لا للمساس بصلاحيات رئاسة الحكومة أو تحجيم دورها، لا لفرض أعراف جديدة على الدستور، ولا لتمثيل سنة 8 آذار من حصة رئيس الحكومة.

أمام هذا الواقع، يبدو واضحا أن إقتراح توسيع الحكومة الى 32 وزيرا قد سقط مجددا بضربة قاضية من الرئيس الحريري المحصّن بمجلس رؤساء الحكومات السابقين الذين كان لهم اليد الطولى في تجميد رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب، بعدما ثاروا عليها معتبرين أنها “هرطقة” لا تمت الى الدستور بأي صلة، كما أن الحريري نفسه بات يدرك أنه لم يعد في رصيده السياسي محليا وإقليميا ما يخوله تقديم تنازلات إضافية، وأن أي تنازل قد يقدم عليه سيكون ثمنه غاليا جدا.

تقول مصادر سياسية مطلعة: إن الأبواب قد أقفلت بشكل محكم في وجه كل الاقتراحات، ولم يعد هناك سوى باب واحد مفتوح ومن خلاله يكون الحل وولادة الحكومة العتيدة، وهو أن يسمي رئيس الجمهورية وزيرا سنيا من 8 آذار من حصته، يشكل قاسم مشترك بينه وبين حزب الله والنواب السنة، وبذلك تنتهي “العقدة السنية” من دون أن ينكسر أي طرف سياسي، ومن دون أن يحصل أي فريق على الثلث المعطل، بما يؤمن التوازن المطلوب على طاولة مجلس الوزراء.

وترى هذه المصادر أن هذا الحل ليس بالأمر السهل، وهو يحتاج الى جهد كبير لاقناع الأطراف المعنية به، مبدية خشيتها من إمكانية تسخين الشارع تدريجيا لزيادة عوامل الضغط، خصوصا بعد حادثة الجاهلية وإشتباكات البقاع والاعتداء الذي وقع في طرابلس، فضلا عن التهديدات والاستفزازات الاسرائيلية في الجنوب، لافتة الانتباه الى أن هذه الأجواء المشحونة من شأنها أن تعطي مبررا لكل من يعنيهم الأمر للتنازل تحت شعار “حقن الدماء وحماية الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي وإنطلاق قطار العهد”، لكن ذلك يحتاج الى مزيد من وقت، خصوصا مع سفر الرئيس الحريري الى لندن منتصف الاسبوع الحالي، ووجود الوزير جبران باسيل خارج البلاد، ما يعني أن الحكومة مؤجلة ولن تكون هدية الأعياد للبنانيين.