لا يُنتظر من الأسبوع الطالع أي جديد على الصعيد الحكومي. الزيارة الاوروبية للرئيس المكلّف سعد الحريري الى لندن، والتي قوبِلت بعتب رئاسي، يفترض أن تَدفش الاستحقاق المُنتظر الى «أسبوع الميلاد» والأخير يدفش مشروع ولادة الحكومة برمّته الى السنة الجديدة!
 

وحدها رسالة رئيس الجمهورية، المُفترض توجيهها الى مجلس النواب، تفعل فِعلها في ساحة الركود الحكومي، في وقت سيَختصر الحريري وجوده خارج لبنان بسبب تأجيل زيارته الى باريس، مع تأكيد مصادره «أنّ زيارته الى لندن قائمة، وهي لعرض برنامج الاصلاحات والاستثمارات على القطاع الخاص»، من ضمن التحضيرات لتنفيذ «مؤتمر سيدر». 

قبل أشهر عدّة، وقبل أن تنفجر أزمة الصلاحيات مرة جديدة، «أفتى» منظّرو العهد بأنّ استنفاد الرئيس المكلّف المهلة «المعقولة» في تأليف حكومته سيشكّل سبباً رئيساً لتدخّل رئيس الجمهورية «لوَضع حدّ لهذه الحالة المتأرجحة وغير المستقيمة»، وفق مطالعة مُسهبة قدّمها وزير العدل سليم جريصاتي آنذاك، وذلك عبر المبادرة الى استدعاء الشخصية المكلّفة تشكيل الحكومة وإبلاغها «أنّ المصلحة العليا لم تعد تتحمّل التأخير في التأليف، وإعطائها التوجيهات اللازمة لإنجاز المهمة».

أما في حال لم يأخذ الرئيس المكلّف بالتوجيهات «يُبادر الرئيس الى التمنّي على رئيس الحكومة المكلّف أن يعتذر عن التأليف، مع الإبقاء على إمكانية إعادة تكليفه».

وفي حال لم يفعل، فلا مناص، وفق المطالعة، من قيام رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة الى مجلس النواب واتّخاذ الإجراء المناسب بالأكثريّة، كأن يُصار مثلاً إلى حَضّ رئيس الحكومة المكلّف على اعتماد المعيار الواحد في التأليف، وعدم احتكار فريق سياسي واحد لطائفة بكاملها في الحكومة، والتزام مبدأ العدالة بمفهومه الواسع»!

«منظّرو» الدفاع عن العهد يذهبون أبعد أيضاً. «إمّا يستطيع الرئيس المكلّف تأليف الحكومة أو لا يستطيع. مفاعيل الحلّ الوسط إنتهت بانقضاء المهلة المعقولة للتأليف، خصوصاً أنّ عهد ميشال عون ليس كأيّ عهد آخر. إذا لا مكان «للوَلدَنة». أمّا الرسالة فهدفها الحَضّ، إمّا للضغط وتسريع التأليف أو الاعتذار». 

وفي اليومين الماضيين تَوسّع بيكار التحذير «لمجلس النواب حَق سحب التكليف عبر سحب «مفاعيل» الاستشارات النيابية التي أدّت الى تكليف الحريري»، أمّا الفرصة الأخيرة ما قبل سحب التكليف فتقوم على معادلة «توقيع مرسوم حكومة بمَن حضر، وعندها تَلقى «الجواب» عليها في مجلس النواب، أو قبول الحريري بحكومة موسّعة من 32 وزيراً».

لكن، وفق أوساط بعبدا، لن يكون رئيس الجمهورية في وارد الطلب من الحريري في أي وقت الاعتذار عن التكليف، لأنّ ذلك ليس دوره ولا صلاحيته «لكن ما عدا ذلك، فإنّ كل الطرق القانونية تقود الى طاحونة ولادة الحكومة. وحتى في أقصى الحالات فإنّ العهد قادر على الاستمرار في «الادارة الحكيمة» للدولة

في غياب حكومة أصيلة لجهة ضبط مثلّث الاقتصاد والمال والأمن، والاجتماعات في القصر الجمهوري شاهدة على ذلك».

في المقابل، تشير مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» الى أنّ عون سبق له أن أعطى مهلة «معنوياً» لتأليف الحكومة حدّها الأقصى نهاية أيلول الماضي، لكن نظراً لايجابيّات طرأت على خط التأليف عاد ومَدّد المهلة ولم يبادر لاتخاذ خطوة يعتبرها دستورية قد تساهم في الحلّ، أمّا اليوم فقد عُدنا مجدّداً الى مربّع التأزيم، مع رفض الحريري حتى النقاش في صيغة الـ 32 وزيراً القابلة لِتَفاوض يُريح الحريري ولا «يَكسره»، خصوصاً أننا دخلنا سابقاً في كباش مباشر مع «حزب الله» دعماً للحريري، وفي الوقت نفسه تحلّ هذه الصيغة أزمة العدد والتمثيل داخل الحكومة». 

هكذا، وفيما لم يكن لعون يوماً «خطة ب» في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، فبالتأكيد هو يملكها حين يرى أنّ عهده في خطر، حتى لو كان الثمن سقوط التسوية نفسها التي أوصَلته الى رئاسة الجمهورية والتي خسرت أصلاً أحد أعمدتها بسقوط «تفاهم معراب». 

يعوّل القريبون من عون على سلسلة خطوات إتخذها بعد انتخابه رئيساً من ضمن صلاحياته الدستورية «لم يجرؤ أيُّ رئيس بعد «اتّفاق الطائف» على استخدامها»، كما يقولون، ومنها رفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات وفق قانون الستين في شباط 2017، واستخدام صلاحيته الدستورية المنصوص عنها في المادة 59 بتأجيل انعقاد مجلس النواب شهراً. أمّا الرسالة التي قد يوجّهها الى مجلس النواب، بناء على صلاحيته المنصوص عنها في الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور، فتدخل ضمن هذا الاطار ولو أنّ عنوانها «مصير التكليف». 

وبالتأكيد، فإنّ توجيه عون رسالة الى مجلس النواب يفترض التنسيق مباشرة مع رئيس المجلس نبيه بري، وفقاً لأحكام المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس، تمهيداً لانعقاده حيث تتمّ مناقشة مضمون «الرسالة الرئاسية». 

وعندها، سيكون مُتاحاً لطالبي الكلام التعبير عن مواقفهم. وتشير أوساط عون في هذا السياق الى أنه «يمكن، إستناداً الى مضمون النقاشات، إطلاق توصية أو اتّخاذ قرارات تُعيد قطارَ التأليف الى سكّته الدستورية، وصولاً الى طلب الأكثرية سحب التكليف». 

طلب سحب التكليف، وفق مطّلعين، لن يخرج عن إطار الموقف السياسي ولا يُقَرّش دستورياً، لكنه قد يفتح مواجهة سياسية كبرى بين الرئاستين الاولى والثالثة، مع الاشارة الى أنّ نتائج الجلسة ليست إلزامية إطلاقاً للرئيس المكلّف، ويمكن اعتبارها كأنها لم تكن. 

والجلسة، وفق أوساط مطلعة، في حال انعقادها، ستُقابَل بمقاطعة تامة من نواب كتلة «المستقبل»، وحتى من نواب من فريق النواب السنّة العشرة وعلى رأسهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فؤاد مخزومي. أمّا «القوات اللبنانية» فسيحضر نوابها الجلسة، في اعتبار أنّ توجيه الرسالة حق دستوري والدعوة الى الجلسة من صلاحية رئيس مجلس النواب «وهي لا تعني بأيّ شكل من الاشكال سحب التكليف من الحريري».

لكنّ مصادر «التيار» تستبعد الوصول قريباً الى مشهد انعقاد مجلس النواب لمناقشة الرسالة الرئاسية «فلا مصلحة لأيّ طرف الآن بهذا الأمر، خصوصاً أنها لن تعني سوى سحب التكليف وليس مجرد «فَشّة خلق». فصحيح أن لا نصّ دستورياً يُجيز هذا الامر، لكنّ روحية الدستور حاضرة، كون الرئيس المكلّف إستمَدّ تكليفه من النواب، والمجلس القادر على تعديل الدستور يستطيع حكماً سحب التكليف». 

وفي الوقت نفسه تدعو المصادر الى «عدم الرهان على عدم حصولها، خصوصاً اننا تجاوزنا الـ 200 يوم من عمر التكليف». وتضيف: «لا تفسير لدينا عن سبب تَمنّع الحريري حتّى عن النقاش في صيغة الـ 32 وزيراً، ورفضه وجود وزيرعلوي ضمن حصته غير منطقي، خصوصاً أنّ كتلته كانت تضمّ نائبين علويين. كما أنّ إمكانية التبادل بين علوي وسنّي قائمة، وحتى حصول الحريري على الوزيرين الإضافيين واردة، فلماذا «الفيتو» عليها خصوصاً أنها تحلّ مسألة توزير الأقليات أيضاً؟».