أمور عدّة تسبّبت في تحوّل الربح الذي حقّقه الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط، من الجولة الاستفزازيّة التي قام بها موكب سيّارات تقلّ مُناصرين للسياسي وئام وهّاب وآخرين منضوين في “سرايا المقاومة” في قرى الشوف ومنها المختارة الأكثر رمزيّة درزيّاً وجنبلاطيّاً، خسارة. أبرزها عدم معرفته أن عمليّة أمنيّة – عسكريّة في الجاهليّة ستُنفّذ.

وهذا أمر خطير لأنّه يعكس إمّا غياب المنطق عند مُقرّري العمليّة، وإمّا جهلهم الجبل وحساسيّاته والخصوصيّات الدرزيّة وأهمّها الحرص على الكرامة ورفض الإهانة والاستعداد للمواجهة إذا مسّ ذلك، وإمّا رغبتهم في تحقيق انتصار يُعزِّز موقعهم الضعيف مقارنة بمواقع الأطراف الآخرين الذين هم على خلاف معهم، مستفيدين على الأرجح من مُعطيات عندهم تفيد أن الوضع الإقليمي – الدولي صار في صالحهم وسيساعدهم إذا دعت الحاجة.

ويعني ذلك في كل الأحوال غياب الحكمة عند الذين أعدّوا العمليّة المذكورة وسيطرة الانفعال وعدم التقويم السليم للأوضاع. ولعلّ أكثر ما آلم الزعيم الجنبلاطي أن صديقه المُزمن الرئيس سعد الحريري، منذ استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري ورغم التباينات الكثيرة بينهما، لم يفاتحه بهذا الموضوع على الإطلاق في اللقاء الذي تمّ بينهما في “بيت الوسط” يوم السبت الأسبق، والذي عكس استعجال وليد بك عقده بذهابه إليه قبل موعده المُحدّد بساعة ونصف قلقه وحرصه على متابعة الموضوع لإقفاله، تلافياً لردود فعل غير مُستحبّة ومؤذية، وحرصاً على عدم إعطاء “المُتربّصين به وبالجبل الدرزي” الفرصة لتنفيذ أجندتهم.

علماً أنّه أي الحريري كان على علم بعمليّة الجاهليّة وكان موافقاً عليها ومُرحّباً بها رغبة منه في تلقين وهّاب درساً جرّاء تجاوزه كل الحدود الدرزية منها والوطنية، باستخفافه بكل الناس وباعتماده سياسة التهجُّم وليس الانتقاد على كل من له أو لحلفائه مصلحة في “كشف فضائحهم”، بعدما صار خبيراً في الحصول على “المعلومات” من الجهات التي يُفترض أنّها تعرف دقائقها والتفاصيل. هذه “المعرفة” الحريريّة كان يعرفها أيضاً رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي حاول أكثر من مرّة مساعدة صاحبها بتذليل صعوبات تأليف الحكومة وحتّى صعوباته السياسيّة في الداخل لاعتبارات تخصُّه وحده. وكان يعرفها “حزب الله” أيضاً. أمّا مصدر معرفتهما فهو وجودهما الفاعل ليس في الحياة السياسيّة فحسب بل في المؤسّسات السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة والقضائيّة والإداريّة. وذلك أمر يُفترض أن يعرفه الحريري ومُتعاطو الشأن العام في البلاد كلّهم. لكن الغرض مرض كما يُقال فضلاً عن أنّه يعمي عن الحقيقة. وما عرفه الإثنان أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي كان صاحب القرار العسكري بتنفيذ عمليّة الجاهليّة، على النحو الذي رآه اللبنانيّون في وسائل إعلامهم ومنها شاشات التلفزيون، تنفيذاً لقرار سياسي اتّخذه الحريري أو على الأقل أوحى به. ولم يعد مهمّاً هنا التذرُّع بـ”الإشارة القضائيّة” لأن شعوب لبنان تعرف “دوَلَها” جيّداً بعدما ورثت دولة لبنان الواحدة. وكان تقديرهما أنّ المُهمّة غير سليمة عسكريّاً أي أن نجاحها كان سيريق دماء كثيرة من الأهالي، كما من القوّة الأمنيّة التي يحرص عليها اللبنانيّون أيّاً تكن المؤسّسة التي تتّبع لها. ذلك أن الجاهلية تقع في منحدر أو حتّى في وادٍ تقريباً. وما عرفه الإثنان أيضاً أن رئيس فرع المعلومات لم يكن مُتحمّساً للعمليّة، تؤكّد الجهات نفسها المُطّلعة بدقّة على تفاصيل ما جرى وما سبقه وما لحقه جرّاء متابعتها اليوميّة والعميقة للأوضاع في البلاد وتطوّراتها. وما عرفاه أيضاً أن عدداً من الضبّاط في الفرع لم يكن مؤيّداً العمليّة وبرّر مواقفه لقيادته. لكنّهم اضطرّوا للتنفيذ بعد اتخاذ القرار والإصرار عليه وهذا أمر يحسب لهم لا عليهم. وما فاجأ الإثنين، وإن ليس كثيراً لأنّهما يعرفان الرئيس الحريري، إنكاره أي معرفة له بالعمليّة على الإطلاق، وذلك عندما اتّصل به هاتفيّاً المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للاستفسار عمّا يحصل والعمل معه لتطويقه وإنهاء ذيوله.