هواجس سياسية تتحكم بتأليف الحكومة اكثر من الامور الاجرائية
 

دخلت عملية تشكيل الحكومة مرحلة جمود كلّي مع سقوط كل المقترحات التي قدمها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل امام رفض الاطراف المعنية بالازمة، وتحوّل السجال والخلاف من الحصص والتمثيل الى حجّة الثلث الضامن، ومن ثم الى ممارسة الصلاحيات الدستورية للرؤساء، برغم ما رافق ذلك من لغط وتوضيحات لم تفعل فعلها في تصويب الامور.

ويبدو من مسار الامور ان ثمة مخاوف وهواجس سياسية وطائفية لدى بعض الاطراف بمواجهة الاخرى، باتت تتحكم بعملية تشكيل الحكومة، اكثر من الامور الاجرائية المتعلقة بتوزير هذا الطرف او ذاك، وهذه الهواجس تتعلق بما تقول مصادر الرئيس سعد الحريري انه محاولة الامساك بقرار الحكومة من قبل اطراف معينة لفرض اتجاهات معينة داخها، وبما تقوله مصادر القوى الاخرى بالمقابل عن رفض الاحاديات ضمن الطوائف وضرورة ايجاد رأي او موقف آخر مما يجري داخليا على صعيد التوجه الاقتصادي والمالي والمعيشي والاداري، ومما يجري خارجيا على صعيد الاوضاع والتحالفات الاقليمية. وجاءت احداث بلدة الجاهلية وما تبعها من مواقف سياسية عالية النبرة، وقبلها الضغوط والمواقف الاميركية والخليجية ضد «حزب الله» وحلفائه، لتزيد من الهواجس السياسية لدى كل طرف.

من هنا - بحسب مصادر متابعة عن قرب لعملية تشكيل الحكومة - تمسك الرئيس الحريري برفض تمثيل احد نواب اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، ورفض منح فريق سياسي واحد الثلث الضامن داخل الحكومة، ورفض الرئيس ميشال عون والتيار الحر احتساب الوزير السني السادس من حصتهما والتمسك بحصة صافية لهما من عشرة وزراء «على الاقل».

وفي هذا الصدد توضح مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون والتيار الحر انه غير صحيح رغبتهما في الحصول على 11 أو 12 وزيرا بضم الوزير السني السادس والوزير الدرزي الثالث الى حصتهما، وتؤكد استمرار صيغة الثلاث عشرات التي جرى التوافق عليها خلال المفاوضات والتي اسفرت عن وضع صيغة حكومية كاملة بعد حسم الخلاف حول حصة «القوات اللبنانية» و«اللقاء الديمقراطي النيابي» والحزب التقدمي الاشتراكي، بأربعة وزراء «للقوات» ووزيرين للتقدمي.

وتوضح المصادر ان الوزير الدرزي الثالث سيكون مستقلا وليس من حصة اي طرف، بل هو نتيجة التوافق بين الحزب التقدمي والحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة الوزير طلال ارسلان، ولو كان هذا الوزير مقربا من ارسلان، كما ان الوزير السني السادس سيكون من حصة رئيس الجمهورية وليس وزيرا اضافيا على حصته المؤلفة من اربعة وزراء (3 مسيحيين وسني من خارج اللقاء التشاوري)، ولذلك يرفض الرئيس الحريري ان يكون احد الوزراء السنة المحسوبين ضمن حصته من النواب الستة المستقلين حتى لا تنقص حصته وزيرا سنّيا، ويرفض ان تتضمن حصة الرئيس عون احد النواب السنة المستقلين لأسباب سياسية.

وتشير المصادر الى ان الوزير باسيل رفض اقتراح الرئيس نبيه بري ان يكون الوزير السني السادس من نواب اللقاء التشاوري ومن حصة الرئيس عون حتى لا تنقص حصته، كما يرفض النواب السنة المستقلين ان يكونوا من حصة اي طرف او تسمية شخصية مقربة منهم كما تم حل العقدة الدرزية، ويصرون على ان تكون لهم حيثية تمثيلية مستقلة.

بهذا المعني يصبح الخلاف قائما حول الحصص الكاملة لكل طرف من الاطراف ولأسباب محض سياسية تتعلق بالتكتلات السياسية الكبرى داخل الحكومة والاتجاهات التي يمكن ان يفرضها هذا التكتل السياسي او ذاك، فلا الرئيس عون يتنازل عن وزير من الاربعة لمصلحة النواب السنة المستقلين، ولا الرئيس الحريري يتنازل عن وزير لمصلحة اللقاء التشاوري، ولا صيغة 32 وزيرا مقبولة لأنها تزيد حصة هذا الطرف او ذاك وزيرا اضافيا.

ولذلك دخل لبنان مرحلة فراغ سياسي وحكومي لا يمكن التكهن بمداها ومدتها، وإن كان ممكنا التنبؤ بأن نتائجها ستزيد اوضاع البلد سوءا وترديا، خاصة مع سفر الرئيس الحريري المقرر غدا الى لندن للمشاركة في منتدى اقتصادي من ضمن سياق منتدى «سيدر» الفرنسي، ما يعني ان مساعي الوزير باسيل ستتعطل الى حين عودة الحريري واجتراح افكار أو مقترحات جديدة مقبولة من جميع الاطراف.