على الحراك المدني والمعارضة اللبنانية اليوم ونحن أمام تقارير تتحدث عن إنهيار قادم ، أن تجمع قواها وتدرس تجربة السترات الصفراء لتستفيد منها
 

 

 

سياسة ضرائبية ظالمة أثقلت كاهل  المواطنين الفرنسيين ، وإمتيازات واضحة لمصلحة الأثرياء ، مع توجّه شديد نحو العولمة وغضّ نظر عن أولويات وحاجات المواطن الفرنسي ( فرنسا أولاً).

 

 

هذا الواقع باختصار فجّر موجة مظاهرات على ٤ مراحل في فرنسا ، وضعت مصير ولاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المحك وفتحت باب النقاشات على مصراعيه حول مستقبل الجمهورية الخامسة في فرنسا ، ما يُعيد إلى الأذهان الإضراب الشامل الذي حصل إحتجاجاً على التدهور الإقتصادي في فرنسا  وأطاح بحكم شارل ديغول. 

 

 

وبدأت قصة هذه التظاهرات في ٩ تشرين الثاني ٢٠١٨ عندما زار ماكرون مدينة ألبرت الفرنسية بمناسبة هدنة الحرب العالمية الأولى وحاولت مجموعات ترتدي سترات صفراء لقائه لكنها تعرّضت للقمع ، لتنتشر الظاهرة في ١٧ تشرين الثاني وتبدأ التظاهرات القوية ، بعد فرض ضريبة على أسعار المحروقات بحجة  تشجيع الناس على إستخدام سيارات أقل تلويثاً للبيئة ، ضمن سلسلة الضرائب البيئية التي فرضتها الحكومة الفرنسية وارتفعت بموجبها أسعار المحروقات عام ٢٠١٨ بنسبة ٢٣٪؜، مترافقة مع إلغاء مجموعة من الضرائب التي كانت مفروضة على الأثرياء .

 

وفي ظل التصعيد المتبادل بين الحكومة الفرنسية وحركة السترات الصفراء ، إستطاعت الأخيرة بسبب الإصرار والتنظيم والحشد والعنف في بعض الأحيان من إجبار الرئاسة الفرنسية على رفض زيادة الضرائب الأخيرة .

 

وأوضحت صحيفة "لوفيغارو" في مقال أن " قرار الرئيس الفرنسي بإلغاء الزيادة في الضرائب كان بمثابة القنبلة في مبنى "ماتينيون" مقر مكتب رئيس الحكومة إدوارد فيليب، حيث أعلن المكتب في وقت متأخر بأن مصالح الحكومة تعمل في تناغم مع قصر الإليزيه وأن هناك توافقاً في قرارت الرئيس مع رئيس الحكومة."

 

لكن وسط هذا التخبط ومحاولة تخفيف الموقف من قبل مكتب رئاسة الحكومة ، بقيت حركة السترات الصفراء على موقفها ، ودعت إلى أوسع التظاهرات اليوم السبت ( المرحلة الرابعة ) رغم إستجابة رئاسة الجمهورية لمطلبها الأساسي الذي فجّر هذه التظاهرات .

 

وبدا الخوف والهلع مسيطراً على شوارع باريس ، كذلك في مانشيتات الصحف الفرنسية ، حيث تساءلت " ليبراسيون" : هل باريس ستحترق مجدداً اليوم؟

 

 

 

إقرأ أيضا : مخاوف من أعمال عنف في يوم جديد من تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا

 

 

 

لكن اللافت في هذه التظاهرات هو متابعة الشارع اللبناني لها ، وإنقسامه كعادته بين مؤيّد ومعارض ولا مبالي.

 

وإن كانت التجربة العربية قد شهدت حراكاً شبيهاً بتظاهرات الشانزليزيه في الأعوام الماضية أي الربيع العربي ، فإن لبنان هو الآخر كان له تجربة مع الحراك المدني في وسط بيروت في ٢٢ آب ٢٠١٥  تنديداً بغرق شوارع العاصمة وباقي المناطق اللبنانية بالنفايات حينها .

 

وإستطاع هذا الحراك خلق نوع من الجرأة على النقد لدى المواطن اللبناني ، لكنه حراك أثبتت الأيام فشله لأسباب عديدة ، حاله كحال المعارضة اللبنانية بشكل عام .

 

فالحراك المدني كان نموذجاً مستنسخاً عن السلطة اللبنانية ، إفتقد لوحدة المعايير في النقد والتوصيف ، وحوّل المعركة مع السلطة إلى معركة مع شخصيات سياسية معيّنة ، حتى أنّه في فترة من الفترات رفض مشاركة الحزبيين وأبدى إمتعاضه منهم ووصفهم بالمندسين .

 

كذلك فإن الحراك لم يمتلك الرؤية الواضحة لما بعد هذه التظاهرات ، وكان واضحاً في رفضه الحوار مع السلطة على عكس مثلاً حركة السترات الصفراء التي تُطالب بالجلوس مع ماكرون ليستمع إليها . 

 

ومع الوقت فقد بريقه وزخمه ، وإكتفى بتظاهرتين ثم تحوّل محرّكيه إلى ضيوف إعلاميين يتنافسون على الشاشات ويكرّرون نغمات نفّرت اللبنانيين منهم .

 

هذا الشيء أظهر عجز الحراك المدني والمعارضة اللبنانية بشكل عام ، فلم يستطيعوا الحفاظ على الحشود لفترات زمنية طويلة على عكس حال السترات الصفراء (دخلت المرحلة الرابعة ) ، وإكتفوا بالتظاهرة الكبرى على أنها الإنجاز الأكبر ، وإن كانت الحشود حينها نزلت إلى الساحة رفضاً فقط للنفايات التي وصلت إلى مداخل منازلها ، لا حباً بقيادات الحراك المدني. 

 

 

ورغم أن ظروف وأسباب الإحتجاج في فرنسا ، هي نفسها في لبنان تقريباً ، إلاً أن النتائج مختلفة ، بين نصرٍ في فرنسا للمعارضة لم تنخدع به وبين حالة إلهاء حصلت للحراك في لبنان عبر إنتصارات شخصية لرواده عن طريق إكتسابهم شهرة لأشخاصهم فقط وفشل لأفكارهم ومشروعهم وهدفهم الأصلي والأساسي. 

 

لذلك ، على الحراك المدني والمعارضة اللبنانية اليوم ونحن أمام تقارير تتحدث عن إنهيار إقتصادي  قادم ، أن تجمع قواها وتدرس تجربة السترات الصفراء لتستفيد منها ، لتضغط من جديد وتطالب بإصلاحات حقيقية ووضع خطط لمكافحة الفساد والهريان في البلد وعدم الإكتفاء بإبر المورفين ، بل أن تكون المطالبات إستراتيجية تلحظ سياسات لإنجاز العدالة الإجتماعية وتحقيق الديمقراطية الحقيقية والحرية . 

 

خصوصاً أن بعض التقارير الواردة من فرنسا تتحدث عن مشاركة " المتطرفين " من اليسار واليمين في هذه التظاهرات ، فوحدة الهموم والصفّ أولى خطوات النجاح .

 

والأهم من كل ذلك ، هو عدم الإمتعاض من " المندسين "، فالسلطة بالأخير لا تفقه سوى لغة الضغط ، والمعارك الطويلة الأمد هي حكماً ستكون لمصلحة المعارضة في حال وضوح الرؤية والمشروع والإبتعاد عن الشخصانية والشخصيات الهزلية التي تدّعي قيادة المعارضة اليوم وتُتاجر بأوجاع الناس ، حالهم كحال زعماء أحزاب السلطة في لبنان .