لقد أفاض رئيس التيار الوطني الحر في التحذير من الفساد الذي ينخر الإدارة اللبنانية وحسناً فعل، هذه السوسة التي أصبحت مسؤولة عن قسم لا يستهان به من الدين العام أصبحت منظومة سياسية وإدارية وخرجت عن السيطرة وأصبحت تمتلك دويلتها في دوائر الدولة إلى جانب دويلات أخرى وتتخطى الطوائف والمذاهب والطبقات الإجتماعية والسياسة.
 
ولكن الوزير باسيل الذي أصاب في التوصيف، أخطأ في وصف العلاج الذي لا يهم أن يبدأ من فوق أو من تحت، المهم أن يبدأ من مكان ما (كيف ما ضربت إيدك بتشيل)، ليس المطلوب أبداً أن يصبح المواطن رجل تحرّي واستقصاء وكشف الأدلة وتصوير المرتكب وتعريض نفسه لمواجهة منظومة أقوى منه في وقت فشل وزير مختص بمكافحة الفساد من اكتشاف أي رشوة على مدى عامين بذريعة أنه لا يملك الأداة التنفيذية لممارسة مهامه، فما الذي كان يمنع إدخال مئة موظف من ضمن الخمسة آلاف موظف الذين تكلّم عنهم وزير المال؟
 
كان على التيار الوطني الحر الحريص الأول المفترض على إنجازات العهد أن يكون المبادر منذ اليوم الأول لهذا العهد أن يكون قدوة على صعيد الشفافية ومكافحة الفساد، أبسط وأقرب الأمور كانت في موضوع الكهرباء، نبدأ بموضوع مناقصات إستجرار الطاقة من البواخر التي رفض بداية عرضها على دائرة المناقصات ثم رفض الإلتزام بنتائج وتقارير الدائرة، هذا الأمر لم يساعد في تبرئة التيار من شبهة ما في هذا الشأن وبالتأكيد لم يساهم في تعزيز الشفافية.
إلى جانب هذا الأمر، طالت الإتهامات عدداً من مسؤولي التيار وزوجاتهم وبقيت دون ردّ جدّي ما خلا تغريدات وسجالات كانت تنتهي حبياً دون أن يعرف المواطن الحقائق، هذا أيضاً لا يندرج ضمن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، إصدار الموازنات دون قطع حساب، التخلي عن كتاب الإبراء المستحيل، إتهامات التيار لأطراف وشخصيات سياسية بالفساد كانت توضع على الرفّ بحسب المصلحة السياسية لا بل تحالف معها التيار في الإنتخابات البلدية والنيابية، حتى أصبحت الإتهامات وبراءات الذمم تعطى كيدياً وظرفياً وفقاً لبورصة الموالاة والمعارضة.
 
بادر يا معالي الوزير فالتيار إلى جانب الرئيس يملكان كل الوسائل اللازمة لهذه العملية التي تحتاج أن يكون القائمون بها فوق الشبهات ليس لأنهم إمرأة قيصر بل لأنهم نظيفي الأكف بالدليل الملموس، المواطن أضعف من أن يقوم بهذه المهمة على مكاتب الموظفين الذين مهما ارتشوا لا يمكن أن يبلغوا مستوى رشوة وعمولة ومناقصة بالتراضي تتمّ في المكاتب المغلقة على حساب الخزينة، حتى ذلك الحين لا يجوز لنا الإحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد فالصمت أجدى في هذه الحالة.