ما حصل في الشوف بدءاً من خميس الأسبوع الماضي واستمرّ أيّاماً، من تحرّكات اختلط فيها الأمني غير الرسمي والرسمي والسياسي الرسمي وغير الرسمي والنتائج السياسيّة المناطقيّة والوطنيّة التي أدّى وسيؤدّي إليها، سيبقى محفوراً في أكثر من ذاكرة. الأولى هي الدرزيّة لأنّه تسبّب وللمرّة الأولى بخسارة معنويّة لغالبيّة الطائفة الدرزيّة المعقود لواء زعامتها لوليد جنبلاط نجل زعيمها الأكبر حتّى أياّم “الثنائيّة الزعاماتيّة” الشهيد كمال جنبلاط. فوئام وهّاب الذي بدأ مسيرته المهنيّة صحافيّاً ومسيرته السياسيّة عضواً في حزب الإثنين أي “التقدّمي الاشتراكي”، ثمّ قريباً جدّاً من الأمير طلال أرسلان نجل الزعيم الدرزي البارز الراحل الأمير مجيد فشريكاً له في مسيرته السياسيّة، والذي ارتبط بعلاقات جديّة مع سوريا وخصوصاً بعد تولّي الرئيس بشّار الأسد قيادتها، ثم أقام علاقة وثيقة مع حليفها “حزب الله” اللبناني، وئام وهّاب هذا نجح أخيراً في وضع قدميه على أوّل طرق الاحتراف السياسي العملي، وقد ينجح لاحقاً في تأسيس حيثيّة شعبيّة له لا ترقى إلى مرتبة الزعامات التاريخيّة في الطائفة، لكنّها قد تُدخله جنّة النيابة أو تعيده إلى جنّة الحكومة ومكاسبها.

الدافع إلى هذا الكلام هو توظيف حلفائه في الداخل والمنطقة قوّتهم في لبنان ما حصل في الشوف الأسبوع الماضي لاختراق “الجبل الدرزي” رسميّاً بعدما كانوا اخترقوه عمليّاً في مرحلة سابقة، ولكن من دون أن تُتاح لهم الفرصة لوضع أساسات الاختراق وللبدء في البناء عليها كما سيحصل قريباً.

ذلك أن “حزب الله” بادر ولأسباب كثيرة أبرزها خشيته تكرار “الهجوم العسكري الرسمي” على حليفه وهّاب أو إنهاء ظاهرته التي كان فيها بعض الفعل والكثير من الصّوت، وخشيته أيضاً انتقال أعدائه من حال الدفاع عن أنفسهم منه إلى حال الهجوم عليه أو الوقوف في وجهه والتصدّي له، واقتناعه بأن ذلك مؤشِّر جدّي إلى ترقُّب هؤلاء مرحلة جديدة في المنطقة يُشجّعها مناخ إسرائيلي وآخر عالمي، تكون سمتها الأساسيّة الهجوم عليه في الداخل اللبناني بعد الاستهداف العقابي الواسع له ولحليفته إيران، الذي بدأته أميركا دونالد ترامب قبل مدّة والذي يبدو أنّها عازمة على متابعته إلى الآخر.

في هذا الإطار كانت مبادرة الأمير طلال أرسلان إلى “التصالح” مع وهّاب بعد قطيعة طويلة بينهما رغم اشتراكهما في حلف إقليمي – داخلي واحد، وإلى زيارته في داره في الجاهليّة وإلى تعزيته بمرافقه وصديقه من عائلة أبو دياب الذي قُتل في حادثة أو بالأحرى “عمليّة” الأسبوع الماضي.

وما كان ذلك سهلاً على الأمير الارسلاني بعد تهجُّم وهّاب عليه أكثر من مرّة في الإعلام وخارجه بالعام والشخصي في آن.

وفي الإطار نفسه كان تضامن الحزب “السوري القومي الاجتماعي” الذي له وجود معيّن في الشوف وعاليه بين الدروز كما بين المسيحيّين، كما كان تجميع “الحزب” سائر حلفائه وحلفاء سوريا حول وهّاب، وبذلك وفّرت الخطوة الرسميّة الأمنيّة العسكريّة ضد وهّاب، الهادفة إلى تبليغه مذكّرة استجواب أو إحضاره بعد “تمنُّعه” عن تبلُّغها، لراعي “محور المقاومة والممانعة” في لبنان “حزب الله” ولراعيه في سوريا الرئيس الأسد الفرصة لاقتطاع مساحة جغرافيّة وشعبيّة في الجبل الدرزي ولتقويتها داخله وخارجه تمهيداً لتوسيعها وتوظيفها لاحقاً سواء لتنفيذ مُخطّطاته واستراتيجيّته أو للدفاع عن نفسه أو للإثنين معاً.