لم يؤدِ البيان التخفيفي الذي صدر عن رئاسة الجمهورية الى إزالة الانطباع المؤكد الذي مرّره الرئيس ميشال عون عبر زواره، بأنه في صدد إتّخاذ قرار بقطع الطريق على الرئيس سعد الحريري الذي يتمترس خلف رفض توزير سنّة 8 آذار أيّاً كانت الصيغة أو المخرج الذي يُطرح لإمرار هذا التوزير.
 

ما فهم أنّ المقصود بحكومة الـ 32 وزيراً هو إرضاء الجميع على قاعدة زيادة عدد المقاعد، لكن هذا الأمر الذي يناسب فريق رئيس الجمهورية، يصيب الحريري في الصميم، أولاً بسبب خلق عِرف توزير الطائفة العلوية، وثانياً بسبب توزير سنة 8 آذار، وهذان الأمران لا يقاسان من حيث الأهمية بجائزة ترضية ستُعطى للحريري إذا ما قبل بهذه الصيغة، وهي نيله المقعد العلوي لمرة واحدة وأخيرة قبل أن يعود هذا المقعد لأصحابه في كل الحكومات المقبلة.

لماذا يرفض الحريري صيغة الـ 32 وزيراً؟ حسب العرض الذي طرحه الوزير جبران باسيل وهو في الحقيقة عرض «حزب الله» الذي طرح منذ البداية حكومة الـ32، ينال الحريري مقعداً علوياً ويكون من حصة الرئيس نجيب ميقاتي الذي انتخب النائب العلوي في كتلته النيابية، ويسند المقعد السنّي الى حلفاء «حزب الله»، ومقعد الأقليات لعون الذي يستفيد من حكومة الـ32 للاحتفاظ بـ«الثلث المعطل»، وهذا مكسب دفعه لتبنّي هذه الصيغة من دون الأخذ في الاعتبار أنها تشكل تحدّياً للحريري، الذي يحاول «حزب الله» أن يطوّقه داخل التسوية التي جمعته بعون.

وقد بدا أنّ عون تراجع بعد أزمة توزير النواب السنة من داعم للحريري الى الموقع الوسطي، ثم فاجأ الجميع بمحاولة وضع الحريري أمام أمر واقع، محمِّلاً إياه في حال رفض صيغة الـ32 مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، ومهوِّلاً بتوجيه رسالة الى مجلس النواب تلميحاً لإعادة النظر بالتكليف.

وعن هذا الاحتمال تقول أوساط مطلعة إنّ عون بات في موقع الضغط على الحريري بما يشبه الانقلاب على التسوية الرئاسية، وتشير الى أنه وعلى رغم أنّ الحريري اعتبر أنّ توجيه هذه الرسالة هو حقّ دستوري لرئيس الجمهورية، فذلك سيكون بمثابة أوضح خطوة لعون ستؤدي الى هزّ التسوية، وذلك بغض النظر عن نتائجها، فهي ستعني أنّ عون غادر نهائياً الموقع الوسط، وأصبح طرفاً في مواجهة الحريري الذي يواجه «حزب الله» بدوره.

وتشير الاوساط الى أنّ سيناريو أيّ جلسة نيابية لمناقشة رسالة عون، معروف منذ الآن، ومعروفة خريطة توزّع القوى، حيث سيحظى الحريري بدعم كتلته وكتل «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي ونواب مستقلين وربما حزب الكتائب، فيما ستتكتل قوى 8 آذار جميعها في مواجهته، لكن في حال حصلت أيّ محاولة للتصويت على نزع التكليف فهذا سيُعتبر بالنسبة الى هذه الكتل خرقاً للدستور وستتصرف معه على هذا الاساس، وستعتبره فاقداً الشرعية.

وتضيف الاوساط أنّ عون الذي اصطدم بـ»حزب الله» حين أيّد مطلب الحريري، عاد الى المربع الأول ممارساً الضغط على الرئيس المكلف، مع علمه أنّ أيّ حكومة لا يشكلها الحريري، ستكون بمثابة الكارثة السياسية على عهده، وستكون بداية لاستعادة مشهد الانقسام الحاد، الذي جمّدته التسوية النهائية ولو الى حين.

وتشير الاوساط الى أنّ الحريري الذي لا يريد الإصطدام بعون لن يتراجع عن رفضه مطالب «حزب الله»، ولن يعتذر عن التأليف كما أنه لن يؤلف الحكومة بشروط الحزب، ولو طال الزمن، فهو يفضّل الاعتذار كخرطوشة أخيرة على التنازل عمّا يمكن أن يتحوّل عُرفاً ثابتاً والى تكريس المَسّ بصلاحية رئاسة الحكومة.