منذ أن تبيّن أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرغب بلعب دور «سليمان الحكيم» في روايته عن «أُم الصبي» تأكد الجميع أنه ليس على استعداد للتنازل عن أيٍّ من حقوقه الحكومية، وأنّ على مَن يدّعي هذه «الأمومة» التنازل، وجاءت مبادرة الوزير جبران باسيل لتترجمها. لكن ما حصل دفع الى سؤال وجيه: هل أراد باسيل حلّ العُقدة السنّية أم تكبيرَ حصة التيار؟
 

هذه هي المعادلة التي رسمتها المواقف السياسية من مبادرة باسيل نهاية الشهر المنصرم قبل أن تنفجر مجموعة من الألغام الأخرى في بلدة «الجاهلية» وقرب نفق كفركلا الذي تحدثت عنه إسرائيل، وما رافق الحدثين من ترددات يمكن أن تكون لها انعكاساتها على الساحتين الحكومية والسياسية، فتزيدها تعقيداً وغموضاً الى درجة يُخشى من أن تنتهي الى نسف التفاهمات السابقة وتلك التي حكمت بعض العقد الحكومية إن لم تنشأ أخرى بدأت تطلّ بقرنها قبل أن تتطوّر الأحداث الأمنية في الداخل وعلى الحدود.

لم يعد في قدرة أحد أو أيّ من المسؤولين والمستشارين في قصر بعبدا و«بيت الوسط» والمراقبين في الضاحية الجنوبية وعين التينة تغليف الخلافات التي نمت بين الموقعين في ظلّ فقدان الوسطاء والمبدعين من مفبركي المخارج القادرين على التقريب بين وجهات النظر وحتى ترقيعها. فقد كبر هامش المخالفات ونمت السواتر بين الطرفين لأكثر من سبب وأبرزها ما يمكن اعتبارُه التعقيدات التي باتت تتحكّم بالعقدة السنية، وتلك التي يمكن أن تنشأ على هامشها. كذلك رفعت من احتمال إحياء عقد سابقة كان يعتقد البعض أنها وُضعت جانباً او أنها «حُلّت على زغل».

منذ أن أحيا باسيل مبادرته في شأن توزير أحد نواب «سنة 8 آذار» والتي رفض القول إنها أُصيبت بعطل كبير أو انهارت اكثر من مرة، فقد زاد الغموض الذي لفّ المبادرة الجديدة التي أطلقها من عين التينة، رغم وجود روايات متنافرة ومتضاربة تسرّبت في الحديث عن المخارج الثلاثة.

وبعد شطب ما يمكن إدراجُه على لائحة التمنيات والرغبات التي لا تُنتج حلّاً لهذه العقدة نظراً الى حجم المواقف منها، برز الحديث عن إحداها إعتقد البعض أنها قابلة للتطبيق. وهي تلك التي تحدثت عن مشروع لتوسيع الحكومة واضافة مقعدين اليها على قاعدة أنّ «توسيع التشكيلة الحكومية يرضي أطرافاً إضافية ويحفظ التوازنات التي يمكن أن تهتزّ، وخصوصاً تلك التي تكسر حصرية تمثيل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة للسنة في التركيبة الرئاسية».

لكنّ حسابات الحقل لم تترجم على ارض البيدر، فجاء طرح تكبير حجم الحكومة مناسِبة لتوفير إطار أوسع للتمثيل واستيعاب حجم مطالب التوزير مع الإحتفاظ بالحصص السابقة وفق المعادلات التي تمّ على أساسها توزيع الحقائب والحصص بين مختلف الأطراف.

وعلى رغم ضخّ «عين التينة» اجواء ايجابية تجاه الفكرة فقد اصطدمت بستار من حديد في «بيت الوسط» جعل منها «مخرَجاً فاشلاً» لا يؤدّي الى الخروج من النفق الذي أدخل فيه «حزب الله» التشكيلة الحكومية وزرعه بمزيد من الألغام.

فتكبير حجم الحكومة ينسف كثيراً من الأسس التي أجريت على اساسها المعادلات السابقة، وخصوصاً انها تجاوزت كل المحاولات التي جرت لمنع أيّ فريق من إمتلاك «الثلث المعطل» حتى بين الحلفاء الذين يلتقون على قراءتهم لمختلف الملفات السياسية والوطنية، والتي انعكست على التشكيلة الحكومية وأدّت الى تعثّرها فيما كان البعض يعتقدون أنها باتت على قاب قوسين أو أدنى من ولادتها منذ 29 تشرين الأول الماضي.

ومن هذه الزاوية بالذات بدأ الشرخ يتّسع بين الأطراف المكلّفة تشكيل الحكومة، وخصوصاً الشريكين في بعبدا و»بيت الوسط». فانقلبت بعض المواقف وتسبّبت المقترحات المتبادلة بمزيد من التباعد بينهما.

وتداولت الأروقة السياسية أكثر من سيناريو أبرزها ذلك الذي رافق التحوّل في موقف باسيل، الذي كان يقف الى جانب الرئيس سعد الحريري ومعه رئيس الجمهورية من خلال مواقفه التي أطلقها في الذكرى الثانية لإنتخابه رئيساً للجمهورية برفض توزير نواب سنة 8 آذار.

وجاءت الإقتراحات البديلة من خلال الموافقة المبدئية على مشاركتهم في الحكومة من دون البتّ مسبقاً من أيّ حصة ستأتي الحقيبة الجديدة، تاركاً الأمر على عاتق الرئيس المكلف.

وفي هذه الأجواء فسرت أوساط عدة مبادرة باسيل إن انتهت الى إعطاء المجموعة النيابية حقيبة من حقائب الحريري بأنها أنهت بسرعة رفض عون توزير أيٍّ منهم لتُلقي المسؤولية على الحريري الذي لا يمكنه قبول هذا العرض أيّاً كان الثمن.

وما جرى عند طرح توسيع الحكومة الى 32 وزيراً أدّى الى تفسير جديد لشكل ومضمون التشكيلة الجديدة والتي فسِّرت عودةً غير مباشرة الى تكبير حجم حصة «التيار الوطني الحر»، من خلال اقتراح تسمية وزير الأقليات سواءٌ كان سريانياً أو إنجيلياً الى جانب النائب العلويّ، وهو ما أدّى الى التباعد اكثر بين قصر بعبدا و«بيت الوسط» من دون أن يتنكر أحد لرفض مشابه لمثل هذا الطرح الجديد إن كانت هذه هي نتائحه فأقرب الحلفاء للتيار وحلفاء الحلفاء لا يمكنهم قبول أن يشكّل حلُّ العقدة السنية مناسبةً لتكبير أحجام أخرى.

عند هذه النقطة بالذات سقطت كل مخارج الحلول وزاد في الطين بلة ما جرى في بلدة «الجاهلية» الذي أحيا اجواء الخلافات مجدداً ورفع النواب السنة الستة من لهجتهم على رغم كمّ الخلافات التي تعصف في ما بينهم. علماً أنّ ما حصل في الجاهلية ليس له أيُّ انعكاس مباشر على ما يعوق ولادة الحكومة العتيدة، والتي سبقت الحادث وما زالت على ما هي عليه من تعقيد. فالعارفون يدركون أنّ أمام التشكيلة الحكومية كم من العقد التي لم تُحلّ بعد، ومَن يعتقد أنّ العقدة الدرزية حُلّت فليس لديه ما يبرهن ذلك لمجرد اعادة الحديث عنها.

ولم يُبت بعد في وضعية الحقيبة الأرمنية الثانية إن اصرّت «القوات اللبنانية» التي نالت وزيراً ارمنياً لحقيبة الشؤون الإجتماعية فلن تكون لحزب «الطاشناق» حقيبة أخرى وهو صاحب الحق الأولى بها قبل اي قوة أرمنية أخرى، فكيف والحال أنّ هناك مشاريع لعُقَدٍ أخرى قد تكون حصة الكاثوليك إحداها ايضاً.