سياسياً، ما صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجهة العودة الى مجلس النواب في حال استمر تأليف الحكومة على حاله من التعقيد، صدّع جسر العلاقة مع الرئيس المكلّف، لم تنفع في لحمه التوضيحات الرئاسية لما نُقل عن رئيس الجمهورية، بل قابلها ما يشبه الاستنفار السنّي في وجه الموقف الرئاسي، عبّر عنه الرئيس المكلف، وتلاه الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام صبّا في موقع رفض المسّ بصلاحيات الرئيس المكلّف.

سقوف عالية

اللافت في هذا السياق، أنّ موقف رئيس الجمهورية بقي ضمن السقف العالي، حيث اكّد عبر مكتبه الاعلامي «أنّ، حق تسمية الرئيس المكلّف تأليف الحكومة منحه الدستور الى النواب من خلال الاستشارات النيابية المُلزمة، وبالتالي فإذا ما استمرّ تعثّر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعي أن يضع رئيس الجمهورية هذا الامر في عهدة مجلس النواب ليُبنى على الشيء مقتضاه».

واللافت للانتباه، انّ الموقف الرئاسي هذا واكبه بعض المحسوبين على رئاسة الجمهورية بالحديث عن بدائل في رئاسة الحكومة، والقول صراحة «إنّ البديل عن الرئيس المكلّف قد يكون حاضراً في ذهن البعض».

نقطة على السطر

واضح انّ الموقف الرئاسي، وبحسب مطلعين على موقف الرئيس المكلّف، لم يلحم الجرّة التي كُسرت لحظة بلوغ الموقف الرئاسي الى «بيت الوسط» نهار امس الأول، بل زادها تفسخاً، ودفع الحريري الى إصدار موقف وضمن سقف عالٍ ايضاً، يحسم فيه، انّ «آلية تأليف الحكومة استناداً الى الدستور واضحة، وهي تنص على ان يقوم رئيس الحكومة المكلّف بتأليف الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية ونقطة على السطر».

ورفض الحريري، عبر مصدر رفيع مقرّب منه، المس بالطائف وقال: «المهم هو احترام الدستور وليس المنافسة على خرقه وخرق القوانين». لافتاً الى انّ كل محاولة لرمي المسؤولية على الرئيس المكلّف، هي محاولة لذرّ الرماد في العيون والتعمية على أساس الخلل»

واذ اعلن الحريري «انّ قناعاتي السياسية معروفة وارتهانات غيري مكشوفة»، قال المصدر انّ «الرئيس المكلف يتحمّل، في نطاق صلاحياته الدستورية ونتائج الاستشارات النيابية، مسؤولياته الكاملة في تأليف الحكومة، وهو كان صريحاً منذ الأيام الاولى للتكليف بأنّه يفضّل العمل على حكومة ائتلاف وطني من ثلاثين وزيراً، وانّ الاقتراح الذي يطالب بحكومة من 32 وزيراً، هو اقتراح من خارج السياق المتعارف عليه في تشكيل الحكومات»، معتبراً أنّ «إعادة استحضار هذا الاقتراح لتبرير توزير مجموعة النواب الستة، وإنشاء عرف جديد في تأليف الحكومات أمر غير مقبول، اكّد الحريري رفضه القاطع السير فيه».

وخلص الى التأكيد أنّ «أحداً لا يناقش الحق الدستوري لرئيس الجمهورية بتوجيه رسالة الى المجلس النيابي، فهذه صلاحية لا ينازعه عليها أحد، ولا يصحّ أن تكون موضع جدل او نقاش، بمثل ما لا يصحّ أن يتّخذها البعض وسيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلّف وفرض أعراف دستورية جديدة تخالف نصوص الدستور ومقتضيات الوفاق الوطني».

الدستور .. أزمة

الى ذلك، شغل الطرح الرئاسي بالعودة الى مجلس النواب، الاوساط السياسية على اختلافها، خصوصاً وانّه فُسّر على انّه خطوة رئاسية تصعيدية في وجه الرئيس المكلّف، وإن حصلت فمعنى ذلك إسقاط القطيعة الكاملة بين عون والحريري، علماً انّ هذا الطرح الرئاسي، ترافق مع تفسيرات مؤيّدة لهذا الطرح، تولّى تسريبها بعض المقرّبين، وتفيد بأنّ العودة الى مجلس النواب امر طبيعي، فمن اعطى التكليف، اي النواب، في مقدوره ان يسترجعه».

هذه التفسيرات اعتبرتها مصادر مجلسية سياسية، تنطوي على محاولة لخلق أعراف جديدة، خصوصاً وأنّ الدستور يحدّد بوضوح آلية تشكيل الحكومة، ويحصرها بالرئيس المكلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، ولا يقيّده بمهلة زمنية للتشكيل، قد تكون هذه ثغرة اساسية في الدستور، ولكن النص واضح ومقفل عند هذا الامر، فضلاً عن انّه لا نصّ في الدستور يجيز للنائب الذي صوّت في الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف، ان يسترجع صوته.

ومعنى ذلك، كما تقول المصادر المجلسية، انّ العودة الى مجلس النواب من قِبل رئيس الجمهورية، لن تكون ذات قيمة، إذ انّها لن تؤخّر ولن تقدّم في مسألة التكليف، بل أنها قد تأتي بمردود عكسي، يحوّل مجلس النواب في حال تمّت هذه العودة، الى حلبة سجال، لا بل الى ساحة معركة سياسية قاسية، تعرف كيف تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي، وبالتأكيد لن تكون مفاعيلها محصورة في ساحة النجمة، بل ستتمدد حتماً الى الساحات السياسية والطائفية.

ولفتت المصادر، انّ مثل هذه العودة تصح في حالة وحيدة، وهي ان يُصار الى تعديل الدستور والنص عليها صراحة، ولا شك انّ ثغرات كبرى تعتري الدستور تتطلب التعديل والتوضيح والتفسير، الا انّ السؤال الذي يُطرح هنا، هل ان لبنان مؤهّل حالياً لتعديل دستوري من هذا النوع، او بالاحرى هل هو قادر على المغامرة في ملامسة الدستور؟ بالتأكيد، انّ اكثرية القوى السياسية تريد تعديل الطائف وبعضهم يريد نسفه من أساسه.

وتخلص المصادر الى القول: «انّ مقاربة الدستور في هذه المرحلة، ولو بصورة غير مباشرة عبر مواقف وطروحات تؤدي الى هذه المقاربة، كمن يفتش على مشكل كبير وخطير، كذلك فان محاولة فتح الباب الى تعديل الدستور وتحت اي عنوان حتى ولو كان سطحياً وليس جوهرياً، معناه فتح بازار التعديلات على مصراعيه، واكثر من ذلك فتح المعركة الكبرى على كيفية تحديد الصلاحيات لكل الرئاسات والسلطات. وبالتأكيد لن تعرف لهذه المعركة حدودها ولا مُدَدُها».

بري

الى ذلك، سألت «الجمهورية» رئيس مجلس النواب نبيه بري حول ما حكي عن توجيه رئيس الجمهورية رسالة الى المجلس النيابي، وكيفية التعامل معها، فقال: «لرئيس الجمهورية الحق في توجيه الرسائل الى المجلس، وهذا حق يمنحه ايّاه الدستور، وعندما تصلنا رسالة منه، وبمعزل عن مضمونها، فسنتعاطى معها وفق ما تقتضيه الاصول القانونية والدستورية».

ورداً على سؤال آخر قال بري: «ما زلنا ننتظر ما ستؤول اليه الأمور، ولكنني ما زلت مقتنعاً انّ ثمة حلاً موجوداً لعقدة التأليف، وسبق ان عرضته على الوزير جبران باسيل، ولكن لم تتم مقاربته حتى الآن، وما علينا الّا الانتظار». ( يقوم الحل على ان يبادر رئيس الجمهورية الى التخلي عن الوزير السنّي من الحصّة الرئاسية لصالح توزير احد نواب سنّة 8 آذار).

النفق

من جهة ثانية، واصلت اسرائيل تصعيدها تجاه لبنان من باب النفق الذي اعلنت العثور عليه على الحدود الجنوبية، وجديد التهديدات امس، ما اعلنه وزير الاستخبارات الاسرائيلية إسرائيل كاتس، بأنّ إسرائيل قد تتوسع في عملية استهداف أنفاق تابعة لـ«حزب الله» وتمدّها إلى لبنان إذا اقتضى الأمر».

ويأتي موقفه هذا، غداة ما اعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل يومين، من انّ إسرائيل قد تمدّ نشاطها إلى داخل لبنان».

وقال الوزير الاسرائيلي: «إذا رأينا أننا نحتاج للعمل على الجانب الآخر لكي نهدم الأنفاق فسوف نعمل على الجانب الآخر من الحدود».

يتزامن ذلك مع تركيز الناطق باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي على بلدة كفركلا حيث قال: «بعد متابعة قرية كفركلا عن كثب لسنوات، يتضح انه يوجد في داخلها عدد كبير من مخازن الأسلحة، ومواقع المراقبة، ومقرّات القيادة، بالاضافة الى مواقع قتال تحت الارض وكلها تابعة لحزب الله».

ولفت إلى أنّه «من المفترض أن تكون قرية كفركلا قرية زراعية هادئة، ولكنّ جميع المؤشرات تدل الى انّ «حزب الله» يجهّزها لتلعب دورا مهما في أي حرب مقبلة»، مشيراً إلى أنّ «القرية تشكّل مثالا لكيفية تموضع «حزب الله» في الأماكن المدنية والمخاطرة بحياة السكان هناك، وذلك يحصل في الحالات الروتينية، وبشكل أكبر وقت الحرب».

واشار الى انه «يوجد داخل كفركلا مقرّ قيادة رئيسي، فيه نحو 20 مخزن أسلحة، ومواقع قتال ومراقبة، وعشرات المواقع تحت الأرض للمحاربين في حالات الطوارئ، وجهاز استخبارات متقدّم يتأسس على الاستطلاع والدوريات، حيث يسكن العشرات من عناصر «حزب الله» في هذه القرية».

وقال، ان «نفق «حزب الله» لم يُحفر فقط من كفركلا باتجاه إسرائيل، بل كان يُحفر تحت أقدام اللبنانيين، ضارباً تعهدات والتزامات الحكومة اللبنانية والقرارات الدولية».

لبنان يشكّك

لبنانياً، نُقل عن وزير الخارجية جبران باسيل، انّه طلب من ممثل لبنان في الامم المتحدة، تقديم شكوى ضد اسرائيل لقيامها بحملة دبلوماسية وسياسية ضد لبنان استعداداً للهجوم عليه.

يأتي ذلك في وقت، كانت قيادة «اليونيفيل» تعرض موضوع النفق مع الجهات اللبنانية، حيث زار القائد العام للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال ستيفانو دل كول، كلا من قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم. وتأتي هاتان الزيارتان غداة اعلان «اليونيفيل» امس الاول الخميس عن وجود نفق بالقرب من الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل. ووصفت الأمر بأنّه «حدث خطير».

واللافت للانتباه في الموقف اللبناني، استمرار التشكيك اللبناني بالرواية الاسرائيلية حول النفق وأصل وجوده، وعبّر عن ذلك الرئيس بري بقوله لـ»الجمهورية»: «حتى الآن لم نتلق اي إحداثيات حول النفق، وعندما تصلنا لكل حاث حديث».

مرجع أمني لـ«الجمهورية»

كذلك، اكّد ذلك مرجع امني لـ«الجمهورية» بقوله: «انّ الأنفاق التي يتم الحديث عنها من الجانب الاسرائيلي و«اليونيفيل»، هي انفاق قديمة ومهجورة، وانهار نصفها منذ زمن بعيد، وسبق للعدو الاسرائيلي ان اعلن انّه اكتشفها منذ زمن بعيد، الا انّه لم يثر ضجة حولها باعتبار انها قديمة ومنهارة، الا انّه استثمرها اليوم لغرض سياسي داخلي لا يبدو خافياً على احد.

وأوضح المرجع، «انّ السلطات اللبنانية تجزم الاّ وجود لأي أنفاق جديدة صالحة للاستعمال، وهي تنتظر التقرير الرسمي من «اليونيفيل» ليبنى على الشيء مقتضاه».