بين لبنان والولايات المتحدة حوارات مستمرة حول كل القضايا ذات الإهتمام المشترك. ومن ضمن ذلك موضوع النازحين السوريين وسبل التعاطي مع هذا الملف.

إذ تفيد مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، أن لبنان أبلغ واشنطن أنه يتفهم موقفها بضرورة وجود حل سياسي في سوريا يضمن عودة النازحين، إلا أنه لا يجب أن يكون ذلك على حسابه وحساب الوقت الذي يمضي، ويتكبد فيه الخسائر من جراء وجودهم على اراضيه.

وإن لبنان بلد يعاني من الديون، وهناك ما يقرب ٦ إلى ٧ مليارات دولار سنوياً قيمة أكلاف متنوعة يتكبدها من جراء هذا النزوح. وليس هناك من دولة في الشرق أو الغرب تريد استضافة هؤلاء. لبنان لا يريد الربط بين الحل السياسي وموعد عودة النازحين لأنه ليس في وسعه تحمل المزيد من الأعباء.

وتشير المصادر، إلى أن واشنطن لا تريد الآن أن يتم إخراج حل ما في سوريا، كما أنها تريد حلاً يناسبها، ولبنان والنازحون عالقون في الوسط.

وواشنطن بحسب المصادر، تقوم بضغوط لعدم إعادة النازحين، وهي لا تساعد في أية جهود لإعادتهم، لأنها تعتبر أن سوريا غير آمنة. فيما لبنان يعتبر أن ثلاثة أرباع سوريا باتت آمنة، وهو أبلغ موقفه للإدارة الأميركية التي تقول إنه إذا عاد هؤلاء فإن النظام سيعاقبهم وينتقم منهم. ولن يكونوا في مأمن لدى انتقالهم عبر معابر النظام. ولبنان ابلغها، أنه لم يعد في استطاعته تحمل اعباء وجودهم على اراضيه. وتقول واشنطن، أن العمل جارٍ لإعداد لجنة دستورية، وهي تشدد على انجازها للضغط في إتجاه تنفيذ سياستها.

واللجنة الدستورية ستصيغ دستوراً جديداً يجب أن يكون جاهزاً قبل الإنتخابات الرئاسية في 2021. أي أن هذه الإنتخابات ستجرى على أساس الدستور الجديد. لكنّ هناك رأياً آخر، يقول إنه ليس من ضمانات أن النظام سيقبل الدخول في هذه اللجنة. ويقول الأميركيون أنهم يعولون على الروس لإجباره الدخول في هذه اللجنة، بضغط من واشنطن. والرأي الآخر، يتساءل أين هي الضمانات بأن النظام سيقوم بما يريده الأميركيون، لا سيما وأنه عبر الدستور الجديد يتم السعي إلى نزع أغلبية صلاحيات الرئيس منه؟

ولبنان يقول، أن ليس في استطاعته أن ينتظر حتى سنة 2021 وبعد الإنتخابات، ليبدأ في عملية إعادة النازحين. إذ أن هناك رأياً مخالفاً لرأي الأميركيين ويطرح علامات إستفهام حول الضمانات لعدم إنتخاب الرئيس الحالي. وإذا لم تعجب نتائج الإنتخابات في هذه الحالة الدول الكبرى، ومنها واشنطن، فستقول للبنان، إنه عليه إبقاء النازحين على اراضيه.

الآن، لبنان الذي يتمسك بالمبادرة الروسية، يضغط من أجل أن يتعاون الأميركيون مع الروس لإعادتهم، في حين أن الإدارة الأميركية تسخر من هذه المبادرة وتعتبرها غير جدية، وإنها تحتاج إلى أموال. وواشنطن، بحسب الرأي الآخر، تقوم بفرض العقوبات على أكثر من دولة، لمنع تمويل المبادرة الروسية، وتخصيص أموال لتنفيذها، لأنها تريد عرقلتها. ويقصد بالعقوبات تلك المفروضة على روسيا وإيران.

وتفيد المصادر، بأن لبنان سيستمر في الضغط دولياً لإعادة النازحين، وإنه يرتكز في سياسته على ما يتوافق ومصلحته. ولبنان الآن لا يعرقل من يريد العودة، لكن العودة الشاملة يعمل عليها لتحقيقها بأسرع وقت. ومن الضروري أن يحمي لبنان نفسه ومصالحه، وأن لا يلتزم بموقف أي دولة.

وتعتبر المصادر، أن هناك إستغلالاً أميركياً للعقوبات المفروضة من أجل تأخير عودة النازحين. في المقابل، لبنان ليس في استطاعته أن ينتظر ثلاث سنوات لإعادتهم. والآن يقوم بإعادة أعداد منهم عبر مساعي الأمن العام. مضيفة أن واشنطن لا تؤيد حصول كلام لبناني مع النظام حول النازحين، لأنه ليس جدياً، مع أن في لبنان رأياً يعتبر أنه يجب البحث مع النظام حول ذلك، وإن وجد أنه يتمنع فعلياً عن استقبالهم، فيكون لبنان قد فضح خططه، مع التلميح إلى أنه تمت مناقشة افساح لبنان في المجال أمام النازحين للجوء الى أوروبا. لكن الأميركيين يشددون على أن النازحين يجب أن يبقوا في منطقة معتادين عليها ويفهمون لغتها.

ولفتت المصادر، إلى أن الأمم المتحدة تطلب 8,2 مليارات دولار لسد الحاجات الأساسية للنازحين. وما يتم تقديمه هو 2,1 مليار دولار. أي هناك نقص بـ 6,1 مليارات دولار، ما يعني أن هذا الفارق يغطيه لبنان مع انعكاساته على المجتمع والصحة والمدارس والإقتصاد وغيره. ويعتبر الأميركيون أنهم يمولون أعباء النزوح بـ 400 مليون دولار في السنة من أصل تمويل الأمم المتحدة، وهي النسبة الأعلى. كان لبنان يصدر بـ 5,4 مليارات دولار في السنة، وبات الآن يصدر 5,2 مليارات. وهو خسر نحو ملياري دولار كتصدير من جراء الأزمة السورية والنزوح. وخسائر لبنان الإجمالية منذ 8 سنوات حتى الآن بلغت 50 مليار دولار. إنه بلد مديون، ويشتري الكهرباء من سوريا ويدفع ثمنها مع أنه يقدمها مجاناً للنازحين السوريين على ارضه.

ويقول الاميركيون أن لبنان بلد صغير يجب أن يتحمل السياسات التي تفرضها الدول الكبرى. لكن لبنان يقول أنه لم يعد في امكانه التحمل ويريد إعادة النازحين في أسرع وقت، لكن ليس بالقوة. وعلى الدول تقديم المساعدات لهم في سوريا وليس الإحجام عن اعطائهم إياها إذا انتقلوا إلى بلدهم، وأنه منذ زمن لم يتخط عدد العمال السوريين ٣٠٠ ألف، وهذا يبقى أفضل من اللجوء الذي بلغ أكثر من مليون ونصف المليون.