هكذا حصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وربما في دولٍ وبلدانٍ أُخرى. والسلاح دائماً بأيدي الميليشيات الإيرانية أو ذات التوجهات الإيرانية. أما اللاعبون على المسرح شبه السياسي، بعد أن لم تعد هناك حياة سياسية، فهم مثل الحوثي والفياض وعلي المملوك... ونواب سُنة في العراق وفي لبنان انحازوا للميليشيات الإيرانية. والفريد من نوعه وئام وهاب! وهو إنسان سلَّطه السوريون من زمان على وليد جنبلاط لإزعاجه، باعتباره منافساً له في المعسكر الدرزي! وقد بلغ من قيمته عندهم أو من هوان الحكومة اللبنانية عليهم، أن جعلوه وزيراً قبل خروجهم من لبنان بقليل. وبالطبع استمرت علاقته بأجهزتهم بعد خروج عساكرهم من لبنان. وقد ورث الحزب وهَّاباً بعُجَرهِ وبُجَره، وبالوظيفة نفسها. وانخفضت قيمته عندهم بعد أن هادنهم وليد جنبلاط منذ عام 2009. 

في المدة الأخيرة، عاد جنبلاط بعد طول صمْت لتحدِّي النظام السوري، على أثر المذبحة التي حصلت لأهل السويداء الدرزية بسوريا. ثم بدأ يميل من جديد وعَلَناً لسعد الحريري. وعندما احتاج لوسيط مع فرقاء الأقلية الدرزية الموالية لسوريا وللحزب، مضى إلى رئيس الجمهورية وليس إلى نصر الله. وما قبض جدياً تعطيل تشكيل الحكومة من جانب الحزب لصالح توزير سني من أنصاره. كل ذلك جمعه له البشَّاريون، وكذلك مساعدو نصر الله. وهذا في الوقت الذي كان فيه وهَّاب يزداد غضباً، بعد أن اعتبر أنَّ الحزب والسوريين تركوه في الانتخابات وما بعدها. بل وفكَّر وهَّاب لتضاؤل موارده وحيلته، في الاقتراب من الحريري ومن رئيس الجمهورية، وما لقي استقبالاً ولا ترحاباً. ثم تلقَّى طلباً للتحرش من سوريا افتقده من زمن طويل. فاختار كما هي طبيعته الحديث عن القوَّادين والأمور غير الأخلاقية الأُخرى. ويقال إن الحزب ما كان مؤيداً لهذه الطريقة في التحرش؛ لكنه تنبَّه مثل النظام السوري إلى عودة جنبلاط للتمرد، وسعد الحريري إلى التصلب، ورغبة رئيس الجمهورية في الاختلاف. ولذلك فإنه حمى وهَّاباً من السقوط في أيدي القوى الأمنية التي كانت تريد قوده إلى التحقيق بناءً على طلب القضاء. 

الآن صار بوسع نصر الله أن يزعم أنَّ لديه أنصاراً مستضعَفين من المسيحيين والسنة والدروز، وهو يريد حمايتهم، ولو في مواجهة الأجهزة الأمنية والقضاء. وهذا تطورٌ جديدٌ يشبه ما حصل ويحصل في العراق واليمن. ففي اليمن زعم الحزب أنه الحَكَم والمشرف على التحالف بين الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح. فلمَّا شعر الحوثيون بما يكفي من القوة، انقضُّوا على صالح وقتلوه. وفي العراق هناك تابعون لإيران صاروا زعماء يحظون بكتل كبيرة في البرلمان، ومعظم موظفي الدولة والجيش وقوى الأمن الداخلي و«الحشد الشعبي» بالطبع. وبهذا كلِّه خاضوا الانتخابات، ورشَّحوا سنة في المناطق السنية وفازوا، ثم صار أحدهم رئيساً لمجلس النواب. وللسنة ست وزارات في الحكومة، أعطوا منها ثلاثاً حتى الآن لأنصارهم، ويريدون تعيين فالح الفياض أحد أهمِّ أتباعهم وزيراً للداخلية، وعلى ذلك يعترض السيد مقتدى الصدر؛ لكنه في تقديري مضطر للخضوع، كما خضع بالأمس لاختيار رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة الذي بدا مستقلاً؛ لكنه لم يَعُدْ كذلك بعد أن رشَّح فالح الفياض!

عندما أراد الحزب في لبنان إسقاط الحكومة اللبنانية، لمنع مطلبها في تشكيل محكمة دولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري وعجز عن ذلك، احتلَّ بيروت بالسلاح، ثم عمل انقلاباً سياسياً أتى من خلاله بحكومة له ولعون آنذاك (2011)، رغم نجاح الحريري وتحالفه في الحصول على أكثرية في الانتخابات (2009). والظروف غير ملائمة الآن لانقلابٍ مُشابه، ولذلك رأى الحزب ضرورة محاصرة رئيس الحكومة المكلَّف، وجنبلاط، وجعجع، وآخرين، لعدم تشكيل حكومة، أياً تكن التكلفة. فساعة يريد الحزب طلال أرسلان وزيراً، وساعة فيصل كرامي، وساعة حماية سفاهات وئام وهاب، وهي جميعاً تصرفات للإشعار بالسيطرة. مثلما يفعل كلٌّ من هادي العامري والمالكي بالعراق من طريق التعطيل، فالتعطيل ليحصلوا على حكومة على ذوقهم. ومثلما يموت الحوثيون لكنهم لا يستطيعون الذهاب باتجاه السلام؛ لأنَّ إيران محتاجة للاستمرار في التخريب والتهديد لإزعاج الولايات المتحدة التي تحاصر إيران! هل ستستفيد إيران من ذلك بالفعل؟ في السابق استفادت، فلماذا لا تستفيد الآن؟ يقولون إن إدارة ترمب مختلفة، وإنَّ المملكة والإمارات جادتان في مكافحة السيطرة الإيرانية.

لكنَّ الأوضاع ليست جيدة في البلدان ذاتها. فالداخلون في العملية السياسية بالعراق تؤثر إيران في معظمهم. وهناك واقع طائفي غصَّ بالصراعات بسبب «داعش» وقبلهم الأميركيون. والميليشيات الإيرانية متغلغلة في الجسم السوري الرسمي والعسكري، وهم يعارضون المصالحة الوطنية، التي من شروطها خروجهم من سوريا. والشيعة ثلث اللبنانيين على وجه التقريب، ومعظمهم مع «حزب الله»، رغم تعرض مصالحهم المالية والتجارية للضرر بسبب الحصار الأميركي. بمعنى أنَّ إيران تقاتل بالشيعة في سوريا ولبنان والعراق واليمن. والطريف أنَّ معظم المشاركين في العمليات الإيرانية، يعرفون أنه لا مستقبل لدولة أو مجتمعٍ من طريق السيطرة الطائفية والقمعية على مقدرات البلدان وقرارها وأمنها.

وإلى ذلك كلِّه؛ فإنّ العناصر التي يحاول بها الإيرانيون السيطرة، معظمهم مثل أكياس الفحم - كما يقول اللبنانيون - ينالك منها تسويد الأيدي والملابس، كلما لامستَها. وهؤلاء (المناضلون) في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، المفروض بهم تحقيق هدفين كبيرين: مكافحة السيطرة الأميركية على مقدرات البلدان ومكافحة إسرائيل من جهة، ودعوة شعوب المنطقة إلى إقامة أنظمة عظيمة مثل النظام الإيراني الخالد! وخلال هذين العملين المجيدين، يجري تخريب الدول وإداراتها ومالياتها، وشرذمة شعوبها طائفياً. ففي سوريا يخزِّن الإيرانيون السلاح بزعم مواجهة إسرائيل، فيغير الإسرائيليون ويزيدون الخراب. وهذا في الوقت الذي يهجِّر الإيرانيون السوريين ويمذهبونهم ويكتشفون آلاف المزارات لآل البيت! وفي لبنان سيطر الحزب على المطار والمرفأ وقرار الجيش وكثير من المؤسسات، كما سيطروا على مواردها، وأشاعوا الفساد والرشوة وغسل الأموال. والآن يمنعون من تشكيل الحكومة رغم الانهيار المالي المهدِّد. وفي غزة يلعبون بـ«حماس» وبـ«الجهاد»، وبعشرات من الشبان الذين تشيَّعوا لضبط «قواعد الاشتباك» صعوداً وهبوطاً. وفي العراق يعتذر الأتباع عن الفساد الهائل والأسطوري، بأنه صائرٌ نصفه على الأقل إلى الجمهورية الإسلامية العظيمة. ولن تنجح المصالحة باليمن بالطبع؛ لأن إيران تريد الاستمرار في تحدي الولايات المتحدة من هذه الناحية، وتريد منع الخليجيين من بيع بترولهم!

قصة وئام وهاب مثل قصص كثيرة أُخرى في عدة بلدانٍ عربية مضطربة بسبب التدخل الإيراني وأنصاره وأتباعه. ولا حول ولا قوة إلا بالله.