ما لم تتوقّف التجاذبات السياسية فإن الدولة مرشّحة لأن تمر في أسوأ أحوالها بكلِّ ما يترتب على ذلك من تداعيات
 

تمر الدولة هذه الأيام في أحوال سيئة، وهي مرشحة للأسوأ، في حال لم تتوقف التجاذبات السياسية بكل ما يترتب عليها من مزيد من التداعيات السلبية على مجمل الأوضاع الداخلية، ويعي المتجاذبون خطورة المرحلة التي اوصلوا البلاد إليها، فالحكومة التي يقع على عاتقها مسؤولية إدارة الدولة، وتصويب المسارات معطلة منذ سبعة أشهر، ومرشحة لأن تبقى كذلك، مُـدّة مماثلة وربما أكثر من ذلك بكثير، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي ايضا وصلت إلى مرحلة الانهيار المحتم، ما لم تبدأ المعالجات عبر ورشة عمل دائمة بإشراف حكومة وحدة وطنية متوازنة بمعنى ان لا يستأثر بها فريق يهدف إلى إلغاء فريق آخر، لأنه من الثابت تاريخياً ان لبنان، كما قال عنه المرحوم الرئيس صائب سلام، عندما عصفت به الخلافات لا يُمكن ان يعيش الا بجناحيه المسلم والمسيحي، ويصح هذا المثل على الوضع الحالي، حيث ان هناك فريقاً يُصرّ على ان يستأثر وحده بالحكم ويلغي كل الفرقاء الآخرين، وما يحصل على صعيد الأزمة الحكومية العالقة منذ سبعة أشهر من فرض شروط تحت طائلة الترغيب والترهيب بزعزعة الأمن سوى خير دليل على صحة هذه المقولة.


وما يزيد في الطين بلة التهديدات الإسرائيلية تحت عنوان عملية «درع الشمال»، والتي استفادت من حالة الفوضى السياسية الداخلية، والخلاف العميق على تشكيل الحكومة، ونقمة الشعب اللبناني الواسعة على السلطة الحاكمة لأنها الغافلة تماماً عنه، وعن مشاكله الكثيرة والمتعددة، التي طاولت لقمة عيشه ومرشحة في حال لم تحصل عملية إنقاذية سريعة على يد حكومة وحدة وطنية، لأن تحوّل البلد كلّه إلى ساحة فوضى عارمة تأكل الأخضر واليابس كما يقولون في لبنان.


ان عملية «درع الشمال» التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية، وبدأت في تنفيذها على مرأى ومسمع العالم، ما كانت لتحصل لو لم يكن اللبنانيون بفعل السياسات الخاطئة التي تتبعها قياداتهم في هذا الوضع من الانقسام العامودي الحاد على مستقبل هذا البلد، ومن وجود فريق داخلي يعمل وفق اجندات خارجية لا يعنيها ان يبقى هذا البلد موحداً وسيداً ومستقلاً أو ان يزول عن خريطة الدول، إذا اقتضت مصلحتها ذلك.


قد يرد الفريق المعطل للدولة بكل مؤسساتها ومرافقها العامة على هذه المقولة بالتقليل من خطر حصول عدوان إسرائيلي واسع على لبنان تقدم عليه إسرائيل مستفيدة من الانقسام الداخلي الحاصل ومن حالة الفوضى التي أصبح الأمن جزءاً منها كما يتبين من احداث الجاهلية الأخيرة، ومن الخطاب ذي السقوف العالية التي سبقت ورافقت هذا الحادث، وما زالت مستمرة في ظل غياب المعالجات السريعة لوأدها قبل ان تستفحل بهذا الشكل. قد يرد هذا الفريق بأن لبنان محصن ضد أي اعتداء إسرائيلي محتمل بقدراته الذاتية التي تحسب لها إسرائيل ألف حساب قبل ان تكرر تجارب الماضي عندما كان لبنان ضعيفاً وغير محصن بقدرات قتالية عالية تردع العدو عن استهدافه بأية عملية عسكرية صغيرة كانت أم كبيرة، لكن تصرفات هذا الفريق على الصعيد الداخلي تُبدّد هذه المقولة وتشجع إسرائيل على العدوان الذي في حال حصوله يزيد من شدّة الانقسام الداخلي، وقد يؤدي إلى تفكيك هذا البلد إلى عدّة دول أو دويلات، كما هو واقع الحال اليوم، حيث انه مقسم إلى عدّة قبائل يديرها أشخاص ويسخرونها لتحقيق مصالحهم على حساب الدولة الواحدة القوية، وما الانقسام الحاصل حالياً حول تشكيل الحكومة وتوزيع الحصص الا دليل لا يقبل الشك أو التشكيك على صحة ذلك، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لكان المعطلون لقيام حكومة الوحدة الوطنية، قدموا التسهيلات اللازمة لتشكيلها، وذلك بالتخلي عن شروطهم المفتعلة وضبط الأوضاع الأمنية التي تردت في الأيام الأخيرة، وتجاوزت حدود المعقول والمقبول.


اما الذين ما زالوا متفائلين بإمكانية اجتراح الحلول وتجاوز هذه الأزمة الوطنية والكيانية الحالية، فقد بدأوا يتراجعون عن هذا التفاؤل بعدما اصطدمت أزمة التشكيل بحائط سميك وانسدت امامهم كل السبل التي يُمكن ان تنتج حلاً ينقذ هذا البلد ليس من التهديدات الإسرائيلية وحسب وإنما من الإصرار على استخدامه ورقة في لعبة الأمم التي يشهد الشرق الأوسط فصولها.