يقولون ثم يسخرون ثم يجرحون... وفي النهاية نتيجة واحدة، وظاهرة واحدة وهي التنمُّر، فقُل كلمتك الجارحة لنفسك أولاً!!
 

"ينظرون إلي، يشيرون بسهام أعينهم عليّ، يسخرون مني لأني خجول واتلعثم في الكلام، يبتعدون عني لأني احرجهم..." (سامي - 26عاماً).


"يسخرون مني لأني بدينة، يوماً ما أردتُ صعود الباص بعد دوام الجامعة، فإذ بالسائق مشيراً إلي بأن أجلس في المكان الذي اختاره هو لا بقرب أصدقائي والسبب أنني بدينة، ما دفع الجميع إلى تبادل الهمسات الضاحكة، وجلستُ بعدها وحيدة..." (نور - 21 عاماً)

"يقولون عني ضعيف الشخصية، محب للدراسة فقط، ويلقبونني بـ "أبو عوينات"، وفي الإمتحانات اتعرض للمضايقات لاسيما من الطلاب الكُسالى...." (محمد - 13 عاماً).

"يقولون أن القطار فاتني، ما عدتُ صالحة للزواج، (يعني عنست)، والسبب في نظرهم أنني قبيحة لم يُعجب بي أحد ليطلبني للزواج، وفي كل زفاف يضعون أيديهم على كتفي قائلين بسخرية "عقبالك"، لأسمع ما تُخفيه أفواههم "مين بعد بيخدا" (سمر- 40 عاماً).

إقرأ أيضاً: بعد التعميم بمنع تدخين النرجيلة في بعض البلديات...من سيلتزم؟؟

يقولون ثم يسخرون ثم يجرحون... وفي النهاية نتيجة واحدة، ألم واحد، وظاهرة واحدة وهي "التنمُّر"؛ والتي تنتشر بشكل خيالي في مجتمعاتنا الشرقية، وما ورد أعلاه ليس سوى عينة صغيرة من معاناة نفسية تعانيه جميع الفئات العمرية من مرض يسمى "التنمُّر"، والذي يُعرَّف بأنّه "شكل من أشكال العنف، والإساءة، والإيذاء، الذي يكون مُوجَّهاً من شخص، أو مجموعة من الأشخاص، إلى شخص آخر، أو مجموعة من الأشخاص الأقلّ قوّة، سواء بدنيّاً، أو نفسيّاً، حيث قد يكون عن طريق الاعتداء البدنيّ، والتحرُّش الفِعليّ، وغيرها من الأساليب العنيفة". ويتَّبع الأشخاص المُتنمِّرين "سياسة التخويف، والترهيب، والتهديد، وقد يُمارَس التنمُّر في أكثر من مكان، كالمدرسة، أو العمل، أو غيرها من الأماكن المختلفة".

أما عن أسبابه فيمكن حصرها كالتالي:

- الفروقات الإجتماعية والإقتصادية بين أفراد المجتمع، والتي تخلق نوعاً من التمييز بين الفرد وغيره ما يدفع البعض إلى التنمر على غيره، لأنه يمتلك ما ينقص غيره.

- الفقر، وهو قد يؤثر على ولادة ظاهرة التنمُّر لدى الفقراء أيضاً الذين يفرغون مشاكلهم النفسية على من هم أقل منهم.

- المشاكل الأسرية في المجتمع لاسيما التفكك الأسري والطلاق.

- الإختلاف في الشخصيات، فهناك شخصيات قوية تُعرف بالشخصيات "السيكوباتية"، والتي تُعد من الشخصيات الأكثر خطورة في المجتمع لاسيما في المدرسة، والذي يمكن أن تؤدي بأصحابها إلى أن يصبح مجرماً.

- الاضطرابات النفسية، لاسيما تلك التي تؤدي إلى العنف.

- الألعاب الإلكترونية وتأثيرها على الأطفال والمراهقين، والتي يقتصر بعضها على القوة الخارقة والعنف، والتي تدفع بالمتنمر إلى تطبيقها في حياته اليومية.

إقرأ أيضاً: ذوو الإحتياجات الخاصة... ماذا عن إعاقة الدولة في لبنان؟؟

وطبعاً لهذه الظاهرة (التنمُّر) الكثير من النتائج السلبية بحيث تؤدي أحياناً كثيرة بالضحية إلى الإنتحار عدا عن المشاكل النفسية وزعزعة الثقة بالنفس، كما وتطال هذه النتائج الشخص المتنمر قبل الضحية إلى أن تصل به إلى أن يصبح شخص مجرم في حال لم يتم معالجة هذه المشكلة.

وأولى خطوات المعالجة تبدأ من الأسرة والمدرسة أولاً، وذلك عبر تعزيز ثقة الطفل أو المراهق بنفسه،  وتربية الأطفال تربيةً سليمة بعيدة عن العُنف ومُراقبة تصرفاتهم وسلوكهم منذ الصِّغر، عدا عن حل الخلافات العائلية بعيداً عن الأطفال وبناء علاقة صداقة بين الأبناء والأهل، وأخيراً إخضاع الشخص المُتنمِّر، والمُتعرِّض للتنمُّر للعلاج النفسيّ، ومساعدتهما على تقوية ثقتهما بنفسيهما.