سارعت قوى الثامن من آذار إلى الاستثمار في ما جرى بالجاهلية يوم السبت الفائت. أراد حزب الله إعادة تجميع ما تفرّق من حلفائه قبيل الانتخابات الأخيرة. الشخصيات التي زارت الجاهلية للتعزية، كلها تحركت بحافز عودة الإصطفاف السياسي الحاد بوجه الحزب التقدمي الإشتراكي، ومحاولة إضفاء شرعية لـ"معارضة" درزية موحّدة بوجه وليد جنبلاط، وتوجيه رسائل سياسية ودعائية متعددة إلى داخل البيئة الدرزية عموماً، وإلى أهل الجبل خصوصاً. ولا ينفصل ذلك عن جهد حلفاء النظام السوري وسفيره في لبنان وسعيهم لتشكيل جبهة معارضة للمختارة.

لقاء الخليل
المشاهد التي عكستها أيام العزاء بمقتل محمد أبو ذياب، والتصريحات الإعلامية التي أطلقت فيها، بدت وكأنها مناسبة لإعادة تعويم خصوم جنبلاط وشد عضدهم، ما يعني أن المستهدف الأول من هذا "الاستعراض" المنظّم هو وليد جنبلاط.

على طريقته في مواجهة كل محاولات الإستهداف، وآخرها المعلومات التي تحدثت قبل سنتين عن وجود مخطط لاغتياله، سارع جنبلاط إلى تلقف الأمر وتجاوزه وفق أسلوبه، أي عكس المتوقع. فقد عمد إلى تعزيز العلاقة المستمرة مع حزب الله. وهو أكد بنفسه أن التنسيق مع حزب الله يسير بإيقاعه المعتاد. ولغاية تجنّب أي تصعيد سياسي أو أمني في الشوف أو في البلد، كانت الزيارة التي قام بها وفد من الإشتراكي للقاء المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، وذلك بهدف "رأب الصدع" وتجديد التفاهمات وأطرها، على الرغم من الإحتفاظ بالخلاف السياسي، وبشرط أن لا ينعكس ذلك الخلاف في الشارع. وهذا ما خلص إليه الإجتماع، وفق ما أكد الطرفان.

إنهاء التوتر


يريد جنبلاط تفادي تجنب أي إشكال، وإطفاء أي حملة تصعيدية. وهو لا يميل إلى أي استنفار للعصبيات، خصوصاً أنه مقتنع بأن أي تصعيد سيقابل بتصعيد مضاد، وهذا ما ظهر بالضبط في المسار الذي سلكته الأمور طوال الأيام السابقة، وتحديداً في مضمون المواقف والخطب و"العراضات" السياسية، التي عمد المحور المحسوب على حزب الله (من وهاب إلى غير وهاب)، تجاه جنبلاط أو رئيس الحكومة سعد الحريري. ولأن جنبلاط يعتبر أن هؤلاء يعتاشون على تأجيج التوتر، تحرك نحو لجم الأمور. هو مقتنع أن البقاء على وتيرة المواجهة، ستجعل المحسوبين على الحزب موغلين بالمواقف الإستفزازية وتعكير الإستقرار. لذلك جاءت خطوة جنبلاط لإنهاء أي مبرر للاحتدام والعراك السياسي. بالطبع، مسعى جنبلاط أيضاً هو الحد من أي خسائر قد تنجم عن حادثة السبت، وما قد ينتج عن تداعياتها، وإغلاق باب الاستثمار فيها. 

الإيحاء السوري


بُنيت مبادرة جنبلاط على قراءته للموقف الإيجابي لحزب الله. فعلى الرغم من دعمه لوهاب، إلا أنه لم يتبنّ ما قاله الأخير، وما تلفظ به من شتائم وعبارات استفزازية. بل كان الحزب قد أنّبه عليها ودفعه إلى الإعتذار. أراد الوهاب الاستمرار بالاستفزاز عبر عراضة سيارات مسلحة الخميس الفائت في الشوف، ونجح جنبلاط في تطويقها بالمعنى الفعلي، وأظهر بقوة مدى إحكام كلمته في الجبل. فالتقى موقف الحزب مع جنبلاط على ضرورة سحب أي عامل للتوتر أو الصدام، على عكس ما سعى إليه وهاب، بإيحاء من النظام السوري على الأرجح، لاستهداف جنبلاط في عقر داره. وهذه رسائل قرأها جنبلاط بعناية معتبراً أنه هو المستهدف من خلف الهجوم على الحريري.

بهذا المعنى، اللقاء مع حزب الله يأتي بنيّة قطع الطريق على المفتعلين والمستفيدين من توتير الأجواء مع جنبلاط.. الذي نجح مجدداً في "دوزنة" موقفه، بين الحفاظ على الإختلاف السياسي، وتحييد حزب الله والعلاقة معه، عن العداوة مع النظام السوري.

احترام التنوع


لا يمكن توقع الوقف التام للحملات على جنبلاط، لكن الأخير نجح على طريقته في ضبطها واستيعابها، وفي منع الإستثمار بالدماء واستغلال الغرائز والعبث بأمن الشوف.

 

يؤكد الوزير السابق غازي العريضي لـ"المدن" أن اللقاء كان إيجابياً مع حزب الله، وأن التواصل سيستمر، لأن هناك توافقاً أساسياً على حماية الأمن، ورفض أي شكل من أشكال التوتير أو اللجوء إلى السلاح أو استعراض القوة، مع التأكيد أن الحزب الاشتراكي كان حريصاً على احترام كل من له حضور سياسي وقبول التنوع السياسي في الجبل، كما في غيره من البيئات والمناطق. لكن، مع التأكيد على رفض أي شكل من أشكال الميليشيا والسلاح والفوضى الأمنية.