في لعبة «الدومينو»، تسقط كل الحجارة عندما يسقط حجرٌ واحد. ويعتقد البعض أنّ الاتفاق الأساسي، الذي تمّ بين القوى السياسية على الحصص والحقائب في الحكومة العتيدة، شبيه بـ»الدومينو». فما أن يسقط «حَجَر» الوزير السنّي حتى تسقط الحجارة كلها... ويصبح لزاماً على اللاعبين أن يبدأوا محاولاتهم مجدداً، ومن الصفر!
 

في ظلّ حال الاختناق الحكومي وما استجرّ إليه من سخونة سياسية وأمنية، بدأ التداول جدّياً في العديد من الأوساط بأنّ من المحتمل سقوط الاتفاق الأساسي على الحكومة، والذي جرى إبرامُه بعد إعلان النائب السابق وليد جنبلاط و»القوات اللبنانية» موافقتهما على المخارج التي طُرِحت عليهما.

إذا صحّ هذا التوقُّع، فستعود مسألة التأليف إلى النقطة الصفر تماماً. وستكون هناك صعوبات كبيرة أمام صياغة اتفاق جديد. والسبب هو أنّ المعيار الذي سيتمّ اعتمادُه لتوزير السنّي من فريق 8 آذار قد يفتح الباب لمفاجآت غير محسوبة تعيد خلط أوراق التأليف تماماً، وستكون هناك قوى متضررة جداً من هذا الواقع الجديد، وستعمل لإحباطه أو التخلص منه.

وثمّة طروحات يجري تداولها اليوم في محاولة لمنع بلوغ الأمور إلى هذه النقطة، وأبرزها صيغة الـ32 وزيراً. فوفق هذه الصيغة، يدخل الوزير السنّي، ومعه وزير الأقليات، على تركيبةِ الاتفاق الجاهزة، فلا يهزُّها.

وفي صيغة الـ32، التي يطرحها «المهندس» جبران باسيل، يتمّ إرضاء «حزب الله» بتمثيل حلفائه السنّة، ولكن من دون أن يخسر فريق رئيس الجمهورية غالبية الثلث المعطّل: حسابياً، ثُلث الـ32 يبقى أقل من 11. والدستور ينصّ على أنّ الحكومة تُعتبر مستقيلة إذا فقدت «أكثر» من ثلث أعضائها. وهكذا فإنّ الـ11 هو رقم أعلى من ثلث الـ32.

ووفق هذا التفسير، تبقى لفريق الرئيس عون قدرة على إسقاط الحكومة عند الحاجة، فيكون له «فيتو» في السلطة التنفيذية، يوازي «فيتو» رئيس الحكومة المتمثل بإمكان إسقاط الحكومة عن طريق تقديم استقالته، و»فيتو» رئيس المجلس و»حزب الله» المتمثّل بانسحاب الوزراء الشيعة جميعاً وإسقاط الحكومة ميثاقياً.

ويبدو أنّ الصيغة الباسيلية الجديدة ما تزال قيد الدرس. ولكن، إذا لم تجد هذه الصيغة طريقها إلى النجاح، فسيعمل فريق رئيس الجمهورية على تعويض خسارته الثلث المعطّل من خلال شروط ومقايضات جديدة، خصوصاً مع الحريري عن طريق «إعادة» المقعد السنّي الذي تبادله مع الحريري مقابل أورثوذكسي إلى «أصحابه». وهذا ما سيدفع بالرئيس المكلّف إلى طرح مجمل الحصص والحقائب على الطاولة مجدداً، فينشأ صراعٌ مستجدّ حولها بين القوى السياسية كافة.

وفي أيّ حال، عندما يتمّ إدخال وزير سنّي من كتلة سياسية جرى تجميع أعضائها من كُتل أخرى، فإنّ معياراً جديداً يكون قد اعتمد على مستوى التمثيل السنّي. ويقول بعض أركان 8 آذار إنّ المعيار الذي يطرحونه اليوم لتوزير السنّي جرى اعتمادُه في موضوع التمثيل الدرزي من خلال الكتلة التي تمّ خلقها لتمثيل النائب طلال إرسلان في الحكومة.

الأرجح أنّ هناك إشكالاً سيقع في المعيار المعتمد للتمثيل المسيحي. فحتى اليوم، كان هناك تسليم من الجميع بتوزيع المقاعد المسيحية الـ15 بين عون و»القوات» و»المردة» (ووزير للحريري ضمن المبادلة مع عون). فالمعيار كان تمثيل كل كتلة نيابية وفق قاعدة «وزير لكل 4 نواب». وربما يقود النموذج السنّي إلى إعادة توزيع الحصص بين القوى المسيحية جذرياً.

فهل يجد «حزب الله» أو قوى أخرى مصلحة في تطبيق نموذج الوزير السنّي على وضعية التمثيل المسيحي، بحيث تنشأ كتلة سياسية قوامها أَعداد من النواب المسيحيين «المستقلين» أو المنتمين إلى كتلة صغيرة عددياً، وينادون بمشروعية تمثيلهم في الحكومة، على غرار تمثيل سنّة 8 آذار؟
آنذاك، سيكون التمثيل على حساب القوى المسيحية الكبرى، بدءاً من أكبرها، كتلة فريق رئيس الجمهورية. وهذا ما سيؤدي تلقائياً إلى خسارة هذا الفريق غالبية الثلث المعطّل. ولذلك، إنّ أيّ إعادة للنظر في معايير التوزير التي اعتمدت في الاتفاق الأساسي، ستعيد البحث إلى نقطة البداية في كل شيء.

إضافة إلى ذلك، وفي معزل عن حسابات الأرقام والحقائب، ثمّة مَن بدأ يسأل: هل تمرّ العاصفة السياسية والأمنية من دون أن تترك تداعياتها على التركيبة الحكومية المنتظرة؟ فهذه الأزمة نشأت أساساً بتأثير من الأزمة الحكومية، ولولاها لما بلغ الوضعُ هذه الدرجة من السخونة. واستطراداً، بعد 6 أشهر من المراوحة في محاولات التأليف، هل القوى السياسية التي ارتضت التسوية على الحكومة تحت تأثير المناخ الإقليمي والدولي الذي كان سائداً آنذاك، والتوازنات التي كانت قائمة، ما زالت اليوم مرتاحة إلى إقرار هذه التسوية إياها، على الأسس عينها، أم تبدّلت مصالحها وباتت لها مطالب وشروط جديدة؟

وتحديداً، هل يطمح «حزب الله» إلى «تجديد» التسوية وفق توازنات داخلية «أكثر صرامة»، لأنّ مقتضيات الصراع بين الولايات المتحدة وإيران تستدعي ذلك؟

ففي اعتقاد البعض أنّ إيران حريصة على الإمساك بالنفوذ جيداً في لبنان في أيّ حال: إذا أصيبت بهزيمة في الشرق الأوسط، فهي تحتاج إلى لبنان لتعويض الهزيمة. وإذا حققت انتصارات في الشرق الأوسط، فلبنان أكثر الساحات ملاءَمة لترجمة الانتصارات.

إذاً، الاتفاق على الحكومة، الذي يشمل كل الحصص والحقائب باستثناء مقعد واحد سنّي، بات اليوم في وضعية شديدة الاهتزاز، وقد يسقط في أيِّ لحظة. وسيكون مثيراً أنّ الخلاف على وزيرٍ واحدٍ هو الذي أسقط زملاءه الـ29. فهل يتمّ تدارك الحكومة قبل أن تقع... و»يكثر السلّاخون»؟