كل «الدروب» الى «السراي الحكومي» مقطوعة. وفي مقابل تشدّد الرئيس المكلّف سعد الحريري في عدم التنازل عن موقفه المعلن من «بيت الوسط» في 13 تشرين الثاني الفائت، يبرز تشدّد أكبر من جانب «حزب الله» تعكسه مواقف نواب «اللقاء التشاوري»، ومجاهرة فريق العهد علناً للمرة الأولى بـ»أحقيته» بـ»الثلث المعطّل» داخل الحكومة!
 

بعناية كبيرة يختار الرئيس المكلّف سعد الحريري المناسبات الاحتفالية التي يشارك فيها في السراي الحكومي. برعايته ومشاركته شخصياً أحيَت «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى» مع أطفال دار الايتام الاسلامية حفلة موسيقية لمناسبة عيد الاستقلال في السراي الحكومي، لكنه أحجَم في المقابل عن المشاركة في مناسبة إطلاق طابع بريدي خاص يحمل أرزة لبنان، كذلك لم يشارك في الحفل الموسيقي الذي أحياه المؤلّف الموسيقي العالمي عمر حرفوش في «السراي» قبل أيام.

يعكس هذا الواقع جانباً من موقف الحريري حيال الدعوات المتكرّرة له بدخول مكتبه مجدداً في «السراي» وتصريف الأعمال من هناك، مع العلم أنّ عدداً من المحيطين به يدفعونه في هذا الاتجاه، في ظل واقعة ممارسة كل رؤساء الحكومات بعد «اتفاق الطائف» تصريف الأعمال من مكاتبهم في السراي الحكومي، باستثناء الحريري الذي غادر لبنان بعد «تطيير» حكومته عام 2011 والرئيس نجيب ميقاتي بعد استقالة حكومته.

يضاف الى ذلك الدعوات المباشرة التي توجّه الى الحريري لكي يعقد «جلسات ضرورة» لمجلس الوزراء لاتخاذ قرارات أساسية، خصوصاً في المجال الاقتصادي، وآخرها كانت من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إستناداً الى اجتهادات تجيز هذا الاجراء الاستثنائي، فيما يستند فريق آخر الى جلسة 12 أيار 2013 التي انعقدت في بعبدا برئاسة ميشال سليمان في حضور رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، وتمّ خلالها الموافقة على إعطاء سلفة لوزارة الداخلية بقيمة 22 مليار ليرة لبنانية لتأمين نفقات الانتخابات النيابية، والإجازة لوزير الداخلية عقد اتفاق بالتراضي لطبع بطاقات الهوية والموافقة على استئجار مبنى يخصّص لهيئة الاشراف على الانتخابات، والموافقة على تحديد القسم المتحرّك لسقف المبلغ الاقصى الذي يجوز لكل مرشح إنفاقه، وتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات.

وفق المعلومات، يُحاذر الحريري الإقدام على أي خطوة من هذا النوع لاقتناعه أولاً أنّ تصريف الأعمال من السراي الحكومي لن يعني سوى الاستسلام لـ»أمر التعطيل». وثانياً لأنّ الرئيس المكلّف يتجَنّب، على رغم الكباش الصامت بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون في شأن العقدة السنية، استفزاز «الجنرال» من خلال عقد جلسات الضرورة في السراي.

يُذكر أنّ عون، وفق قريبين منه، لا يوافق بدوره، حتى لو طال أمد التأليف، على «جلسات الضرورة» في السراي الحكومي أو في القصر الجمهوري.

آخر المساعي الملموسة التي قام بها عون في سياق محاولة كسر جليد الأزمة، الطلب مباشرة من الحريري استقبال نواب «اللقاء التشاوري» والاستماع اليهم وجهاً لوجه، لكنّ طلب عون قوبل برفض الرئيس المكلّف الذي لا يرى في المشهد المفترض سوى انكسار له، خصوصاً أنه سيشكّل اعترافاً بـ«حَيثيّتهم»، حتى في الشكل!

وفيما يسعى الوزير جبران باسيل جاهداً لتسويق أفكار حلول بَدأها بطرح إسقاط المقايضة بين عون والحريري في ما يتعلق بالوزيرين السني والمسيحي، وصولاً الى اقتراحات بـ«زَمّ» الحكومة لـ 14 وزيراً أو توسيعها الى 32 وزيراً، فإنّ مرجعاً مطّلعاً على مسار المفاوضات يؤكّد أنّ طروحات «التَذاكي» لباسيل لن تؤدي عملياً الى فتح كوّة في جدار الأزمة: فالمقايضة لا يتنازل عنها الحريري، وما يعني ذلك من تمسّكه بـ«التلوينة» الطائفية داخل فريقه الوزاري، أمّا تركيبة الـ 14 وزيراً فهي تضيف الى العقدة السنية عُقداً إضافية وتعيد التفاوض الى نقطة ما قبل الصفر تماماً كما تركيبة الـ 32 وزيراً، لأنها ستمنح فريق العهد ثلثاً معطّلاً «بْلاس»!

ويقول متابعون انّ اشتراط «النواب السنّة المستقلين» حقيبة لوزيرهم المفترَض لا يعدو كونه موقفاً إنفعالياً ردّاً على تسجيل الحريري سابقة رفض استقبال نواب كرّروا طلبَ لقائه غير مرة. لكنّ «الاستفزاز» عملياً للفريق المطالب بالتوزير من الحصة السنية في الحكومة، سواء أكانت من جيب عون أو الحريري، لا يتأتّى فقط من جانب «بيت الوسط»، إذ انّ مجاهرة نواب ووزراء عونيين بأحقية الحصول على «الثلث المعطّل» باتت عاملاً «مفجّراً» لأي حل مقترح حول العقدة السنية، وقد وصل الأمر الى حدّ «تغريد» نائب «التيار الوطني الحرّ» سليم عون منذ يومين قائلاً: «ما ذنبنا، فخامة الرئيس ونحن، إذا كان حقنا وحجم تمثيلنا يتجاوز ثلث الحكومة»!

وفي السياق نفسه، يجزم قريبون من باسيل أنّ «مبادرته لم تنته، وقد تمّ تفعيلها بعد عودته من الفاتيكان بلقائه الحريري»، مشيرين الى أنّ «باسيل قال صراحة للرئيس نبيه بري، خلال لقائهما الأخير، انّ مبادرته إذا أزعجت البعض فإنه مستعد للجلوس في الصفوف الخلفية فاسحاً في المجال أمام وساطة أخرى، إلّا أنّ بري أبدى تمسّكاً واضحاً باستمرار باسيل في مهمته التوفيقية، وهذا ما يُواظب وزير الخارجية عليه، خصوصاً أن ليس هناك على الحلبة أي وسيط غيره».

ويلفت القريبون من باسيل الى أنّ جهده ينصَبّ في الوقت نفسه على إيجاد «المناخات المؤاتية» مع القوى السياسية لدخول آمن الى الحكومة ينزع منها «فتائل» التفجير المحتملة، ويزيد من منسوب إنتاجيتها.