خرج ميقاتي من باب قصر الرئاسة الثالثة منتصراً لنفسه ممن أساء اليه ،فرفعته الاستقالة درجة في سلم الطائفة ، ليحصد بذلك مودة ورحمة كان قدَ فقدهما لحظة الانقلاب على الممثلية الحصرية للرئاسة الحكومية ، وبذلك أعاد شيئاً مما فقده ، وأدركته بركة المملكة في لحظة حرجة وضعت فريق 8آذار أمام خيارات صعبة أحلاهم أمرَ من الآخر.
لم يكن الرئيس ميقاتي وحده المتصيَد في سوق الصيد السياسي،فقد التقط رئيس جبهة النضال بسنارته العتيقة حيتان السياسة اللبنانية وبطعم حكومي مميز،ليقلب بذلك ظهر المجن ، ويعيد الأكثرية السابقة الى سابق عهدها في السلطة ،ويعيد الأقلية النيابية الى المعارضة بعد أن بهُت لونها في الحكومة. 
تكمن أهمية اللحظة الجنبلاطية في قدرتها على التعالي فوق رفوف الطوائف ، وتوليف الوحدة الوطنية الهشَة ، واعادة ترتيب البيت اللبناني، وفق سقوف سياسية مختلفة ومتباعدة في آن معاً. ما جرى من اقتناص فرص سنحت لوليد جنبلاط من جعل الطوائف في لبنان في كفة ميزانه ، وبدت الطائفة القوية ضعيفة ، وغير قادرة على الخروج من خروم الشباك الجنبلاطية ، فمشت وتماشت مع مرشح 14آذار تلك الجهة المتهمة من قبلها بالعمالة وبالفساد ، فتبين أن القوَة وعنصر السلاح فيها ليست المعيار في الاحجام السياسية ،وأن ثمَة قوَة قائمة في العقل السياسي قادرة على احداث توازنات جديدة دون التهديد أو التنديد وابداء الوعيد والشرَ المستطير،اذا ما التقطت الفرصة وحولتها الى مادة فاعلة ، ومؤثرة في الحياة السياسية.
في اللحظة المشابهة اضطر حزب الله الى الضغط بما يسمَى بالقمصان السود ،ليأخذ الحكومة، ويستبعد المستقبل وأعوانه، في حين أن جنبلاط زعيم عقل الطائفة الأقلوية ، والتي لاتملك مكوَنات القوَة الشيعية ، كان قدَ أدرك غايته بسهولة سياسية استسلمت لها سياسات الداخل والخارج ،لأنها تملك الحكمة في الاختيار المناسب للظرف من جهة ، وللمواصفات المطلوبة من جهة ثانية. 
لقد دفع جنبلاط بالجميع الى هيكلة أوضاعهم ، وممالأة سياساتهم وفق مستويات منخفضة جداً ، فحدَ من الغلوائية المفرطة ،وأعاد الأحجام المنتفخة الى وزنها الفعلي والطبيعي ، فسمعنا الجنرال ينادي بحكومة ممثلة لجميع المكونات السياسية ،ومن ضمنهم طبعاً أولئك المُفسدون الذين وضعوا البلاد والعباد تحت خطَ الفقر، متناسياً مواعظه في الفساد السياسي والمالي والاخواني.
مدور الدوائر دارت عليه هذه المرَة دائرة صديقه جنبلاط ، ولم يستطع أن يكون سبَاقاً في التشكيل الحكومي ، لقد كبلَ الحلف الطائفي حركته ، ولم يعد يستطيع أن يتخذ قراراً ، أو أن يوافق على صفقة سياسية رابحة،مثل ماحصل بينه وبين ميقاتي عندما اتفقا على مشروع قانون انتخابي ، وعلى ضرورة التجديد للواء أشرف ريفي تفادياً لاحراج ميقاتي فاخراجه من الحكومة .وبات أسير توصيات جديدة أرهقت من دوره ، وجعلته مصادر الدور.
حتى نيام أهل القصور من جماعة 14آذار تأكد لهم أنهم بدون جنبلاط مجرد زبد في بحر السلطة والمعارضة.
تمام سلام مرشح جنبلاط ، والحكومة اذا شكلت حكومة جنبلاطية ، والانتخابات اذا حصلت انتخابات جنبلاطية . ربما حرية جنبلاط مصدر القوة والالهام الذي يختص به ،لذا ندرك في اللحظة المناسبة أنه شيخ عقل الطوائف في لبنان