مع انسداد أفق الحل السياسي والعقدة الحكومية المتمثلة بشكل رئيسي في تمثيل سنة «8 آذار»، بدأ الشارع اللبناني يتحرّك على خلفية المواقف العالية السقف، ولا سيما من قبل نواب «حزب الله» وشخصيات موالية له. هذه التحركات التي تسجّل منذ أيام، يرى فيها البعض «أمر عمليات» لتفجير الوضع، فيما يقلّل البعض الآخر من أهميتها، مع التأكيد على أن أيّاً من الأطراف اللبنانية تدفع باتجاه لعبة الشارع التي لن تكون في مصلحة أحد.

ورغم إجماع مصادر رئاسة الحكومة وأخرى مطّلعة على موقف «حزب الله»، على رفض التصعيد واللجوء إلى الشارع، وتأكيد مصادر عسكرية أن الوضع الأمني ممسوك، يرى خبراء أن مقومات الأزمة في لبنان موجودة، وبالتالي إمكانية انفجارها ليست بعيدة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

وبدأ التوتّر قبل أيام مع صدور مواقف من قبل نواب لـ«حزب الله» وشخصيات محسوبة على فريق «8 آذار»، تهاجم رئيس الحكومة سعد الحريري وسياسة والده، رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، الاقتصادية، وصلت إلى حد اتهام أحد نواب «حزب الله»، الرئيس المكلف، بالمحاربة لنصرة المشروع الأميركي والإسرائيلي في المنطقة. وهو الأمر الذي نتج عنه تحركات في الشارع، وإقفال طرق، وحرب لافتات بين مناصري الفريقين، وصلت يوم أمس إلى القضاء، عبر رفع مجموعة من المحامين إخباراً أمام النيابة العامة التمييزية ضد الوزير السابق وئام وهاب، بجرم إثارة الفتنة والتعرض للسلم الأهلي، إثر تداول مقطع فيديو يتعرض فيه لرئيس الحكومة المكلف ووالده، ليقوم بعد ذلك وهاب بالإعلان عن قيامه برفع شكوى ضد الحريري، على خلفية اللافتات التي تضمنت شتائم وتهديداً بالقتل.

وكان تيار المستقبل قد أهاب بالمناصرين عدم اللجوء إلى الشارع، طالباً منهم نزع اللافتات التي رفعت ردّاً على الحملات ضد الحريري الأب والابن، واصفاً ما يحصل بـ«المسلسل التحريضي الرخيص على التيار وجمهوره»، مؤكداً أنه لا يحتاج إلى الشارع، ولا لإقفال الطرقات للتعبير عن موقفه، وهو يقف دائماً في الخط الأمامي لحماية الاستقرار الداخلي.

وما أشار إليه «المستقبل» حذّر منه أيضاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب السابق وليد جنبلاط، قائلاً: «يبدو أن أمر العمليات بالتهجم والتعرض للكرامات واختلاق الأكاذيب والأساطير معمم». مضيفاً: «يذكرنا وهاب بالتحريض العبثي لـ(البعث) السوري».

وتعتبر مصادر الحريري أن هناك محاولات بأسلوب قديم جديد لتحريك الشارع، وهناك من يدفع في هذا الاتجاه، مؤكدة في الوقت عينه لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة إلينا الشارع خط أحمر. وكما بذلنا سابقاً نبذل الآن جهوداً كي لا يكون الشارع طريقاً إلى الفتنة»، مجددة القول إن التحركات التي سجّلت من قبل بعض المناصرين هي عفوية، وقد تمّ احتواؤها.

في المقابل، يصف المصدر المطلع على موقف «حزب الله» لعبة الشارع بـ«المقيتة»، مشدداً على أن الوضع الأمني مستقر وممسوك، مع رفضه القول إن هناك أمر عمليات قد صدر. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن كما تيار المستقبل نرفض هذه التحركات والتصعيد؛ لكنّنا كذلك نرفض اتهامنا بالوقوف خلف ما يحصل، أو القول إن هناك أمر عمليات أو غيره صدر»، وأشار في الوقت عينه إلى أن «حلفاء الحزب أحرار بمواقفهم، كما حلفاء (المستقبل) حين يهاجمون الحزب، وبالتالي نرفض تحميلنا المسؤولية، كما لا نحمّل (المستقبل) مسؤولية مواقف حلفائه».

ويبدو أن القيادات الأمنية مرتاحة للوضع، مستندة في ذلك إلى مواقف الأطراف السياسية، وهي على صلة بشكل دائم معها، بحسب ما تؤكد مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط». وتوضح أن «الأمن ممسوك، وليس هناك من أي تخوّف لانفجار ما، وقيادة الجيش على تواصل دائم مع القيادات السياسية لعدم تفاقم الأمور، والجيش جاهز دائماً لمنع الإخلال بالأمن».

لكن هذه التطمينات العسكرية والسياسية قد لا تكفي، إذا لم يتم تدارك الأمر، ووضع حد لكل ما يحصل في لبنان؛ حيث كل مقومات الأزمة موجودة، بحسب ما يؤكد مدير مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية، سامي نادر. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لبنان يعيش اليوم مرحلة من الفراغ الدستوري وفي السلطة، بحيث إن الأزمة لا تقتصر فقط على تعثّر تأليف الحكومة، إنما هي أزمة نظام حادة، عالقة بين أزمة إقليمية ذات أبعاد مذهبية، ما تشكّل مجتمعة مقومات الأزمة وفتيل التفجير». من هنا، يرى نادر أنه بعدما نجح لبنان في السنوات الأخيرة من تحييد نفسه بالحدّ الأدنى، ولا سيما بين عامي 2012 و2015، عبر تهدئة الخطاب الداخلي والحوار بين «حزب الله» وتيار المستقبل، الذي انعكس إيجاباً على الشارع، يقف اليوم في مرحلة حرجة وخوف من خروج الأمور عن السيطرة، إذا لم يتدارك المعنيون الوضع قبل فوات الأوان.