كلما مرّ يوم على طلب أمين عام حزب الله توزير أحد النواب السُنّة الستة في الحكومة العتيدة، تتوضح أكثر الأهداف التي يسعى أمين عام الحزب إلى تحقيقها من خلال هذا الشرط الجديد الذي لم يكن موضوعاً لا في حساب الرئيس المكلف ولا حتى في حساب رئيس الجمهورية الذي كان قبل خطاب سماحة السيد على وشك ان يوقع على مرسوم التشكيلة الوزارية التي وضعها الرئيس المكلف بعدما نجح في تبديد كل العقبات، وحلحلة كل العقد التي كانت تؤخّر التشكيل من عقدة القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر إلى عقدة الدروز بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبين النائب طلال أرسلان، الى ان وصلت الأزمة في الأسبوع الأخير إلى ذروتها بعدما كشف حزب الله الغطاء، ودفع ادواته إلى شن أوسع حملة على الرئيس المكلف وعلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري مستعملين كلمات وعبارات لم نعتد سماعها لا في الخطاب السياسي، ولا في جميع السجالات التي تنشب بين السياسيين منذ الاستقلال وحتى تاريخ اليوم.

ومن هنا يتضح ان وراء الشرط الذي وضعه الأمين العام لحزب الله، أكبر من تعيين وزير بالزائد أو وزير بالناقص في الحكومة، وهو يستهدف في الدرجة الأولى مقام رئاسة الجمهورية، كما يستهدف الرئيس المكلف للضغط عليه وإجباره على التنازل عن صلاحيات رئيس الحكومة السُنّي التي نص عليها اتفاق الطائف، وهذا معناه ان أمين عام حزب الله يمارس عملية الانقلاب على هذا الاتفاق، وتفريغ الرئاسة الثالثة التي هي من حصة الطائفة السنيّة من كل الصلاحيات حتى يصل من وراء ذلك إلى الهدف الأساسي له، وهو المثالثة بين الطوائف المسيحية والسنّية والشيعية الذي سبق له ان نفاه في السابق عندما ارتفعت الضجة من كل الطوائف الأخرى ضده.

وبدلاً من ان يخوض حزب الله هذه العملية الانقلابية استخدم الأدوات التابعة للنظام السوري من النواب السُنّة الذين فازوا في الانتخابات من خارج تيّار «المستقبل» بعد إغرائهم بتوزير أحدهم في الحكومة ليكون حصان طروادة للنظام السوري من جهة ولحزب لله ومن ورائه إيران من جهة ثانية، وقد تنبه الرئيس المكلف إلى هذا الفخ المنصوب له، واتخذه منه موقفاً صلباً لا رجوع عنه، شرحه في المؤتمر الصحفي الذي عقده وردّ فيه على شروط حزب الله. الا ان ردة فعل الحزب على هذا الموقف كانت قوية، وان لم يدخل هو مباشرة على الخط بحيث استخدم ادواته المعروفة جيداً عند جميع اللبنانيين للتحريض على الرئيس سعد الحريري وفتح ملفات وهمية وإثارة عصبيات الشارع مما اوصل البلاد إلى هذه الحالة في الوقت الذي كان ينتظر اللبنانيون من حزب الله تبريد الأجواء الساخنة وتقديم كل ما يُمكن من أجل تسهيل ولادة الحكومة وإنقاذ العهد الذي يدعي ان له اليد الطولى في وجوده على ان يحقق بعض الإنجازات في السنوات الأربع المتبقية من ولايته، بدلاً من أن يضع البلد برمته امام خيار واحد وهو الفتنة التي تؤدي حتماً إلى حروب أهلية لا يعلم الا الله متى وكيف تنتهي.