عندما نحتفل بعيد الإستقلال، ولا إستقلال: لا في تأليف الحكومة ولا في أيّ استحقاق دستوري، نكون نحن والحكومة والجمهورية والإستقلال نعيش في دولة مزيَّفة يعربد فيها السكارى، وعلى رأسها يحطِّمون الكؤوس.

نحن... ضحيّةُ مطامح الدول الأخرى وفريسةُ أطماعها.

نحن ضحيّةُ تقاسم النفوذ الدولي وموازين القوى على الساحتين السورية والعراقية...

وضحيّةُ الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية...

وضحيّةُ الحرب الخليجية في اليمن...

وضحيّة العقوبات الأميركية على إيران...

ونحن ضحايا أخطائنا الفاحشة، وضحايا كلِّ ما نحمل من خطايا العالم، وكلِّ ما يرتكب العالم من فُحش.

عندما نرتبط بعلائق مـميَّزة عقائدياً وسياسياً ودينياً بالخارج، يصبح للخارج علائق مـميَّزة في شؤوننا ورئاساتنا وحكوماتنا والسلطات والإدارات، وتصبح عيون الجواسيس تلاحقنا حتى غُـرَف النوم.

هذه الآفـةُ الشديدةُ الإنفجار التي إسمها تمويهاً العلائق المميزة هي نوعٌ من الإنتداب السياسي.. وهي علّـةُ وجودنا وحروبنا ونزاعاتنا ونزواتنا وانقساماتنا على مدى التاريخ.

عندما ارتبط المسيحيون بالأم الفرنسية الحنون، كان هذا الإرتباط يرتدي طابعاً دينياً كمظلّةِ حمايةٍ وسط محيط إسلامي متلاطم الأمواج.

وعندما يرتبط السنّة والشيعة في لبنان بالسعودية وإيران، فإنّ هذا الإرتباط يرتدي طابعاً دينياً موروثاً في ظلّ محيط متأجّج بالصراعات المذهبية والتكفيريات.

وحين يعلن سماحة السيد أنَّ لا سوريا ولا إيـران تتدخلان في لبنان، فلأنّ الثنائية الشيعية الموحَّدة الصف، تتحلّى بكفاية ذاتية في اتخاذ القرار الداخلي بتنسيق استراتيجي فهي لا تحتاج الى الوحي بقدر ما تحتاج الى الدعم، والسيد لا يخفي ما يتلقّاه من دعمٍ بل يعلنه جهاراً مِـنْ على المآذن العاليات.

فيما الفردّية السنّية المترنِّحةُ بالإرتباك تتلقَّى الدعم والأمر معاً، هي وغيرها من الذين التحقوا بالسنيّة النفطية.

ويبقى السؤال المقنَّع: من هو المستفيد من هذا المسلسل التعطيلي المتلاحق للمؤسسات الدستورية في لبنان، ومن هو المستهدف..؟

نخشى أن نتوغّل في الإستقصاء وتنكشف الأقنعةُ المرصَّعة عن الوجوه المخادعة، فنصل الى ما انتهت إليه مسرحية «كاليغولا» للإديب الفرنسي «ألبير كامو»، حين يكتشف البطل بعد فوات الأوان أن الحلّ ليس بالقتل.

يكفي اللجوء الى تجارب الحروب السابقة، فليست سوى معارك فاشلة، الإنكسارُ فيها من نصيب الغالب والمغلوب..

ويكفي التستّر بما هو صعودٌ بواسطة التسلّق على أكتاف الآخرين، فالصاعدون فيه هابطون.

ويكفي العبث بالتاريخ والجغرافيا «والكتاب»، فيما الوطن تتقلّص عنه الشمس بالإحتجاب، والأرض فيه تكاد لا تصلح للسكن.

إذا كان سماحة السيد قد نأى بنفسه عن مسؤولية أزمة الحكومة، فلا يستطيع وهو الأمين العام لحزب الله أن ينأى بنفسه عن مسؤولية إنقاذ الوطن من شبح المخاطر والفواجع الكبائر.

إذاً... تضرّعوا الى الله ، ليصدر القرار الإلهي الى حزبه.