تحوّل الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا، أمس، مناسبة لإجراء «جردة عام كامل» في مقاربته للملفات الأمنية كونه الاجتماع الأخير لهذه السنة. فجاء حافلاً بالقضايا على جدول أعماله، من تلك المتصلة بالمخيمات الفلسطينية والنازحين السوريين وأعمال النشل والسرقة وزحمة السير واكتظاظ السجون وتَفشّي المخدرات والخطة الأمنية لعيدَي الميلاد ورأس السنة.
 

لم يكن هذا الإجتماع تقليدياً، إذ ارتبطت الدعوة إليه عادة بالهزّات الأمنية في البلاد او بمعالجة حدث طارىء تَسبّب به آخر خارجي بغية تدارك مخاطر انعكاساته على الساحة الداخلية. لكنّ جدول الاعمال أكد مدى الحاجة لانعقاده في زمن تصريف الأعمال الحكومي المستمر للشهر السابع على التوالي، في انتظار الإفراج عن التشكيلة الحكومية التي أعدّها الرئيس المكلف سعد الحريري ولا تحتاج إلّا الى أسماء وزارء «حزب الله» الثلاثة تمهيداً لإصدار مراسيمها.

وقالت مصادر وزارية شاركت في الاجتماع انّ عون استَهلّه مُذكّراً بعدد من القضايا والملفات التي على المجلس النظر فيها، واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها. فلبنان الذي يشهد نوعاً من الاستقرار الأمني، عليه أن يعزّزه بإجراءات مطلوبة من الوزارات المختصة والأجهزة الأمنية والقضائية.

وبداية طُرِح ملف المخيمات الفلسطينية في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدها مخيم المية ومية، وتلك المتنقّلة في المخيمات الأخرى التي تشهد توتراً من حين الى آخر. ولفتَ رئيس الجمهورية الى انّ انتشار المجموعات المسلحة والتخفيض الذي طرأ على خدمات وكالة «الأونروا»، ألقى بثقل أمني ومعيشي إضافي على أبناء المخيمات والقوى العسكرية والأمنية المولجة بالأمن في محيطها، وهو أمر يلقي مزيداً من المسؤوليات لمواجهته.

وفي المناقشات التي شارك فيها الجميع، بمَن فيهم القادة العسكريون والأمنيون، تحدث البعض عن «وضع أمني مَمسوك» في المخيمات، وقدموا عرضاً للإجراءات المتخذة والعمليات النوعية التي تنفذها المخابرات العسكرية والأمن العام في داخلها ومحيطها، انتهت الى توقيف عدد من المطلوبين.

ونَبّه المجتمعون الى مخاطر تقليص «الأونروا» المساعدات التي تقدمها للاجئين، الأمر الذي دفعَ الى توسيع نطاق الإتصالات بالحكومات والمؤسسات الدولية لتعويض ما فقد من هذه المساعدات، بُغية تحسين الحياة الإجتماعية في المخيمات، ووقف تنامي المجموعات الإرهابية فيها، وتوفير ما أمكَن من حقوق اللاجئين، خصوصاً بعدما استقطَب بعض المخيمات آلاف النازحين من سوريا.

وعرض المجتمعون لحصيلة التفاهمات السياسية التي ستؤدي الى انسحاب المسلحين الغرباء من مخيم المية ومية قريباً، وتعزيز الاتصالات بمسؤولي الفصائل الفلسطينية للتعاون على ضبط الأوضاع الأمنية فيه، وتنفيذ التزاماتهم والتعهدات.

وعند البحث في ملف النازحين السوريين، كرّر عون انتقاد الحراك الدولي الذي لا يترجم قرارته الإسراع في إعادة هؤلاء الى بلادهم من دون انتظار الحل السياسي، لافتاً الى حصيلة اتصالاته الخارجية وما لديه من معلومات حول المبادرات الدولية ومآلها.

وفي الوقت الذي كشف قائد الجيش العماد جوزف عون انّ المؤسسة العسكرية أوقفت حتى الأمس القريب أكثر من 400 نازح سوري عادوا الى مخيمات عرسال بطريقة غير شرعية، تحدث المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن برامج «العودة الطوعية» التي تنفذها المديرية ونتيجة زياراته الخارجية والاتصالات التي يجريها مع المؤسسات الأممية لتسريع هذه البرامج، التي أمّنَت الى الآن عودة نحو 80 ألف نازح.

وشرح بالتفصيل الإجراءات التي اتخذها لتسهيل هذه العودة، خصوصاً عندما يُعبّر النازحون عن رغبتهم بالعودة الى بلادهم، كذلك بالنسبة الى وثائق الإقامة في لبنان والولادات الجديدة وتلك المتصلة باللاجئين حسب القوانين والاتفاقات الدولية التي ترعى شؤون هؤلاء.

ولفتَ عون، في جانب من الاجتماع، الى خطورة التقارير التي تلقّاها، والتي تتحدث عن حجم انتشار المخدرات في الجامعات والمدارس والأندية الليلية. وطلب التشَدّد، ليس مع المتعاطين والمروّجين الصغار فقط، بل التصدّي للتجّار الكبار الذين يشكلون خطراً يفوق المخاطر الأخرى.

وعرض المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان للإحصائيات التي تحدثت عن عدد الشبكات التي أوقفت، وكذلك التجار الكبار.

فيما أشار مدير المخابرات الى ما تقوم به وحدات الجيش من مكافحة للتجار الكبار، والقدرات الأمنية والاستعلامية التي جنّدت لاقتلاع هذه الظاهرة.

وفي ملف حوادث السير والعصابات المتخصصة بسرقة السيارات والمخالفات المرتكبة وظاهرة التسوّل واستغلال الزجاج الداكن للقيام بأعمال منافية للأخلاق والقانون، لفتَ رئيس الجمهورية الى أهمية ضبط هذه المخالفات بالوسائل المُتاحة، وبالتعاون مع الوزارات المختصة.

وعرض بعض القادة الأمنيين لظاهرة الاعتداء على رجال الأمن أثناء قيامهم بمهماتهم، فشَدّد عون على تطبيق أشد العقوبات ورفض التدخلات السياسية، لأنّ هيبة «رجال الأمن» من هيبة الدولة.

وفيما شدّد الرئيس سعد الحريري على ضرورة احترام حقوق الانسان أثناء التحقيقات مع الموقوفين اللبنانيين والأجانب، لافتاً الى حجم المراجعات التي يتلقّاها من الديبلوماسيين وممثلي المؤسسات الأممية، شَدّد القادة الأمنيون، بعد إشارتهم الى اكتظاظ السجون وبطء المحاكمات، على تواصلهم مع هذه الممثليات بغية إطلاعها على قواعد التحقيق والإثبات ومدى التزام لبنان المعايير الدولية.

وتحدث وزير العدل ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس عن استعجال المحاكمات وفق قدرات السلك القضائي، ولفتَ الى انّ القوانين القديمة التي تعالج هذه الحالات باتت بلا فعالية. وأشار الى التعديلات الواجب إجراؤها بما فيها مضاعفة الغرامات والعقوبات لردع الذين يعيثون فساداً.

وشدّد القادة الأمنيون على تنفيذ الخطط الامنية السنوية في مناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، لتوفير الأمن والاستقرار للبنانيين والمغتربين وزوّار لبنان من عرب وأجانب. وتمنّى رئيس الجمهورية أن يعبر لبنان هذه الأعياد كما عبرها سابقاً بصفر حوداث أمنية، داعياً الى تمديد هذه الخطة لتشمل أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، المقرّر عقدها في بيروت بين 16 و20 كانون الثاني المقبل.