لا تنفي عودة الوزير باسيل إلى التحرّك عمق الأزمة التي بلغتها عملية تشكيل الحكومة ولا تقلل من المخاطر الناجمة عن الاستمرار في تعطيل عملية التأليف، بقدر ما تـؤشر إلى ان البلاد دخلت عملياً في مرحلة الخطر، ولا شيء يحول دون السقوط في قعر الهاوية، سوى أن يُبادر رئيس الجمهورية إلى حسم أمره بالتوقيع على مرسوم التشكيلة الحكومية التي رفعها إليه الرئيس المكلف قبل نحو أسبوعين، بعد إقناع حليفه حزب الله بإعطاء أسماء وزرائه الذين وقع عليهم اختياره للتوزير في الحكومة العتيدة.


لكنه لا يوجد في الأفق، ولو مؤشر واحد يوحي بأن الحزب في وارد التنازل عن مطلب توزير أحد نواب سنة ثمانية آذار الستة، مهما طال أمد الأزمة الوزارية، حتى ولو استمرت حتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية، بدليل لجوئه إلى رفع منسوب الحملة على الرئيس المكلف، ووصلت في الثماني والاربعين ساعة الماضية إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ لبنان منذ الانتداب الفرنسي وحتى اليوم، ولو كان حزب الله في وارد الدخول في تسوية ما لما كان لجأ إلى مثل هذا التصعيد.الرئيس المكلف فَهِم منذ اللحظة الأولى مضمون رسالة الحزب من افتعال أو من ابتداع عقدة سنة 8 آذار، ولذلك سارع إلى الرد على هذه الرسالة بكلام حاسم وحازم وهو انه ليس على استعداد لتقديم مزيد من التنازلات لحزب الله، وليس على استعداد للتخلي عن صلاحياته لمصلحة هذا الفريق أو ذاك، فهو حسب ما نص عليه الدستور الذي يُشكّل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ولا أحد سواهما له أي حق في التدخل بصلاحياته لا من بعيد ولا من قريب مهما استخدموا من أساليب الضغط وغيرها.


والرئيس المكلف ما زال ثابتاً على موقفه بالرغم من الأصوات التي ارتفعت هنا وهناك بتحريض من الحزب ناعته اياه بأقذع الأوصاف، وهو المشهد نفسه الذي عاشته البلاد مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عهد الرئيس السابق العماد اميل لحود، كل هذا يدل على المدى الذي بلغته الأزمة، وبالتالي يدل أكثر على ان هناك دوافع لتسعيرها بايعاز من خارج الحدود، من النظام السوري أولاً الذي لم يتخلَّ عن دوره في لبنان حتى في أصعب الظروف التي مر بها، ومن النظام الايراني بشكل خاص الذي يمر في ظروف دقيقة بعد تنفيذ العقوبات الأميركية ويهمه أن يجمع بين يديه أوراق قوة، ومنها لبنان ذو الحيثية الدولية الخاصة في المعركة الحالية التي يخوضها، ومن هنا يجب أن تُفهم أسباب التصعيد المفاجئ لحزب الله على الرئيس المكلف والذي ستزداد حدته في الايام المقبلة، وقد لا يتوقف الا بعد سقوط الهيكل.