مئات ملايين الأطفال في العالم لا يزالون محرومين من التعليم. منهم من يذهبون إلى المدرسة، لكنهم يخرجون دون أن يجيدوا كتابة جملة واحدة. أكثر من 600 مليون مراهق لم يحصدوا من الجلوس في الصفوف سوى تقييد حرياتهم، ومفاقمة ضجرهم. واحد من بين كل عشرة مراهقين في هذا الكوكب لا يتقن المهارات الأولية في القراءة أو الحساب، أضف إلى هؤلاء 250 مليون طفل لم تتح لهم أصلاً فرصة الذهاب إلى المدرسة.


الاجتماع الدولي حول التعليم الذي ينعقد في بروكسل الأسبوع المقبل، لن يناقش التفاوت بين الذكور والإناث على مقاعد الدراسة، ولا جودة التعليم، أو رعاية الطفولة وكفاءة الحضانات، كما جرت العادة في سنوات سابقة، بل سيكون المجتمعون أمام تحدي إيجاد حلول لشعب من الأطفال المهاجرين الذين يتزايد عددهم بسبب الحروب، وأيضاً نتيجة لهرب عائلاتهم من شظف الريف إلى المدينة، وكثير من الأحيان تكون الكوارث الطبيعية بعد التغير المناخي الذي جعل الفيضانات جزءاً أساسياً من أجندات الكوارث، دافعاً رئيسياً. ولهذا؛ فإن التقرير السنوي الذي صدر بالمناسبة عن «الهجرة والنزوح والتعليم»، وكيف يمكن للأمم أن تبني الجسور بدل الجدران في ظل هذه الظاهرة الإنسانية القاسمة، ينطوي على معلومات تستحق التأمل.


العام الماضي فقط تسببت الفيضانات العارمة في نزوح 8 ملايين شخص، وشرّد عدد يقاربهم من الناس، بسبب الأعاصير والعواصف. هذه المرة ليست سوريا ولا العراق اللتين تتصدران لائحة البؤس، وإنما الصين والفلبين وكوبا والهند. فبين «إعصار مورا» الذي ضرب بنغلاديش العام المنصرم و«إعصار إيرما» على المحيط الأطلسي، وما بينهما من عواصف تقتلع الزرع والضرع ساد خراب كثير لم يفرق بين أعراق أو ألوان.


تعددت أسباب النزوح، وتنوعت أشكاله ومناطقه الجغرافية، ومنه ما هو داخلي محلي أو خارجي دولي، لكن النتيجة الكارثية متشابهة. وما يحاول أن يجد له حلولاً 350 وزيراً ومسؤولاً في بلجيكا، هو كيف السبيل لإقناع الدول المانحة، دفع عشرة أضعاف ما ينفقونه حالياً، لتغطية تكلفة تعليم كل هؤلاء المحرومين الصغار من أبسط حقوقهم في المعرفة؟ وكيف يمكنك أن تعتبر التعليم أولوية، لجماعة من الناس ربما، لا تجد سقفاً يحميها، ولا تعثر على ما يسد رمق أطفالها؟ الأسوأ من ذلك، وعلى عكس ما يمكن أن نتوقع فإن الغالبية الساحقة من المهاجرين تنتقل إلى بلدان فقيرة أو متوسطة، وكثير منهم ينزحون داخل بلادهم، ويبدو أن هؤلاء ليسوا أفضل حالاً بكثير.


السنوات الخمس الأخيرة كانت صادمة بموجات النازحين المتلاحقة، والعام الماضي كان مفاجئاً بزيادة عدد اللاجئين إلى ثلاثة ملايين شخص، عن السنة التي سبقتها. وتقدر الهيئات الدولية أن واحداً من بين كل مائة شخص تقريباً في العام بات لاجئاً. وهو الرقم الأعلى على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، بكل مآسيها ووحشيتها. ولاجئو اليوم زادوا 50 في المائة عما كانوا عليه منذ عشر سنوات. ومن الخطورة بمكان معرفة أن 11 في المائة فقط من طلاب المرحلة الثانوية اللاجئين إلى دول منخفضة الدخل أو متوسطته، مسجلون في المدارس، وهذا يمكن تلمسه في الدول العربية التي تستقبل سوريين بأعداد كبيرة. والأسباب دائماً هي نفسها، الحاجة إلى العمل لإعالة بقية أفراد العائلة، أو صعوبة التأقلم مع منهج مختلف عن الذي يعرفه الطالب في بلده. لكن صغار اللاجئين ليسوا في منجاة أيضاً، فلم تزد نسبة المسجلين في المدارس الابتدائية في كل البلدان المضيفة المتواضعة الإمكانات على 4 ملايين طفل.


تسونامي اللجوء العالمي المستجد يغير في ديموغرافية بعض البلدان، ويؤثر في ثقافة بعض آخر، ويتطلب فهماً عميقاً، وإدراكاً حضارياً لما سيستتبعه من ردود فعل رافضة أو انقسامات حادة داخل المجتمع الواحد. لهذا؛ فاستقبال اللاجئين لا يمكن أن يحل فقط بتسول احتياجاتهم من غذاء وماء ومسكن من الدول المانحة، فالتعليم أولوية أيضاً، يقول التقرير. ثمة حاجة كذلك، إلى تعديلات حتى في المناهج الدراسية، وإدخال دروس عن الهجرة وأسبابها ومؤثراتها، وكيفية التعاطي مع المختلف، لتفادي صدامات عنفية مستقبلية.
مع نزوح أو من دونه لا بد أن نسبة الأمية بعد تشريد ملايين العرب في السنوات الأخيرة بسبب الثورات والحروب فاقمت نسبة الأمية، لعلها تجاوزت الـ28 في المائة التي تتحدث عنها الهيئات الدولية. فاللاجئون في البلدان العربية التي تستضيفهم، يعرف الجميع مستوى التعليم المتدني الذي يتلقونه فيها، والصعوبات التي يواجهونها. هذا يعني أننا لا نستطيع أن نتوقف عند الأرقام الأممية لنستريح، فما نعيشه من وهم المعرفة التي يحصدها من يذهبون إلى المدارس ويعودون بخفي حنين، هي من أخطر ما يعيشه اللاجئون ومضيفوهم، وهم يتلهون في انتظار غودو.