استأنف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، حركته المكوكية، من حيث بدأها في الجولة الأولى، من عين التينة. هذه المرة تحت عنوانين متلازمين: «لا للفرض ولا للرفض». ولموقع الانطلاقة مغزاه في السياسة، وفي العلاقة الثنائية المتقلّبة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وباسيل شخصياً.
 

الأهم، أنّ هذه الحركة تتزامن مع الشهية المفتوحة على التكهنات، مع استعادة رئيس الجمهورية ميشال عون حِكَم سليمان الحكيم، وتحديداً تلك التي تروي حكاية «أم الصبي» التي تتخلّى عنه من أجل الحفاظ على حياته، ما شرّع باب التساؤلات حول إمكانية تبرّع الرئاسة الأولى بـ«صبيّها» السنّي من أجل انتشال الحكومة من خرم الأزمة القديمة - المستجدة.

فالتوقيت لا يمكن أن يكون عبثياً، والمغزى الكامن في بيت الشاعر يرفع منسوب التفاؤل، خصوصاً إذا صحّت المعلومات التي تقول إنّ رئيس الجمهورية لم يكن يوماً ممانعاً في التضحية بوزير من حصّته لحلّ العقدة التي قرر «حزب الله» تعليق الحكومة في سبيل معالجتها.

لا بل إنّ وزير الخارجية هو الذي طلب التريّث قبل التخلّي عن «الوزير الحادي عشر» من الحصة العونية، لإطلاق مبادرته التي كانت تقوم أساساً على نقطتين:
ـ أولاً، إقناع الأطراف كافة في أنّ تسمية وزير من خارج النواب الستة هو أقل الحلول صعوبة وقدرة على تأمين التفاهم.
ـ ثانياً، أن يتمّ التوزير من حصة رئيس الحكومة سعد الحريري بعد استعادة الأخير لوزيره السنّي من حصة رئيس الجمهورية مقابل عودة الوزير المسيحي إلى المرجعية المسيحية.

ولهذا أبدى رئيس تيار «المستقبل» انزعاجه من المسار الذي طبعته مبادرة باسيل، وحاولت سلوك دروب كثيرة توصل في نهاية المطاف الى مطحنة واحدة: جيب سعد الحريري. ما زاد من استياء الأخير ودفعه إلى رفع السقف مجدداً ملوِّحاً ولو بنحو غير مباشر بالاعتذار.

ولهذا أيضاً، لا يزال تمنّع «بيت الوسط» عن تحديد موعد لاستقبال وفد «اللقاء التشاوري» للنواب السنة المستقلين، يحول دون تقدم المساعي التفاهية لإنقاذ الحكومة من «كشتبان» وزير الدولة السني (حسب مصادر مطلعة على موقف حزب الله)، مع العلم أنّ الغرف المُغلَقة تشهد أكثر من طرح وسيناريو معالجة، ومنها مثلاً رفع عديد الحكومة إلى 32. لكنها لا تزال حتى اللحظة موضع رفض.

ومع ذلك، تبدو المؤشرات في النصف الملآن من الكوب إيجابية: صحيح أنّ «حزب الله» يوجّه أصابع المسؤولية إلى رئيس الحكومة المكلف للمبادرة وانتشال حكومته من الغرق، لكنه في المضمون لا يمانع أبداً تبرّع رئيس الجمهورية من «حسابه الوزاري» لحلّ العقدة السنية.

إذ ليس المطلوب، وفق المطّلعين على موقف الحزب، «مقاهرة» رئيس الحكومة أو دفعه الى الاعتذار كما يتردّد أو كما يهدّد «المستقبليون»، لا بل الهدف هو تمثيل شريحة من الجمهور السني المؤيّد للمقاومة أسوة بغيره من المكوّنات السياسية.

وتضيف المعلومات أنّ «حزب الله» لم يتردّد، عبر المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل من القول صراحة للحريري خلال لقائهما الأخير، إنّ الحزب ليس في صدد شنّ حملة على رئيس تيار «المستقبل»، على العكس تماماً، هو يسعى لتأليف حكومة منتجة، فاعلة، وقادرة على تحقيق الإنجازات لكي تتمكّن من الصمود أربع سنوات، أي طوال المدة المتبقية من عهد عون.

أما المؤشر الثاني من سلة الإيجابيات المسجّلة حتى الآن، فتكمن في ثمار المعركة السياسية التي خاضها «حزب الله» دعماً لحلفائه السنة. وفق المطلعين فإنّ ما جرى تثبيته في السياسة حتى الساعة إزاء وضع سنة الثامن من آذار، ليس بالمسألة العابرة.

فقد تكرّست الثنائية على الساحة السنية باعتراف زعيمها الأول سعد الحريري، حتى ولو لا يزال يرفض لقاء «مجموعة الست» ضمن تكتل واحد، لكنه في النتيجة شرّع وجود معارضة داخل بيته السني. وهذا الهدف الأساس من حملة التوزير التي قادها «حزب الله».

ويعتقد «حزب الله» ان ما جرى ساهم في رفع معنويات الجمهور السني المؤيّد للمقاومة، وكذلك معنويات النواب الممثلين لهذا الجمهور ما يسمح لهم بمواجهة المرحلة المقبلة بجرأة وبقلب قوي أمام ناسهم، ويسقط المخاوف من أن يكون تقاطع الحريري- «الحزب» على حساب الحلفاء.

ولهذا يعتقد بعض المطلعين أنّ المرحلة الثانية وهي المتصلة بتسمية الوزير السني، باتت أقل صعوبة طالما أنّ جوهر القضية قد تحقق. ما قد يفتح الباب أمام معالجات وسطيّة لا يفنى فيها «الديب ولا الغنم». ويضيف هؤلاء أنّ من بين النواب الستة، وخصوصاً هؤلاء غير المرشحين للتوزير، صار متحمِّساً لمعالجات وسطية تنهي الأزمة على خير وتُخرج الحكومة من عنق التعطيل.

وما يعزّز من درجات التفاؤل هو عدم إقتناع «حزب الله» بنظرية «المؤامرة» الكامنة وراء «الثلث المعطل». ينفي الحزب وجود قطبة مخفيّة وراء تمسّك رئاسة الجمهورية ومعها «التيار الوطني الحر» بثلث معطل، لغايات في نفوس أصحابها، مشيراً إلى أنّ المسألة لا تتعدى لعبة الأعداد والتنافس داخل الشارع المسيحي والتي تدفع باسيل ألى تحصين الحصة البرتقالية والحؤول دون المسّ بها. أما غير ذلك فلا «تقريش» في حسابات «الحزب».

يقول المطلعون إنّ وجود رئيس الجمهورية على طاولة مجلس الوزراء يفوق هذا الثلث تأثيراً وأهمية، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ استخدام هذا «الفيتو» لن يتعدى الأمور الداخلية، أما في الأمور الاستراتيجية فالتفاهم بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» لا غبار عليه، ولا خوف استطراداً من عصا «الثلث المعطل».

أما في سيناريو الفراغ الرئاسي، فستفقد هذه الورقة قيمتها كون الحكومة ستصير حكومة تصريف أعمال، بجدول أعمال محدد، لا أهمية لثلثها ولا حتى لنصفها زائداً واحداً. ويبقى الاحتمال الثالث والأخير، وهو استخدام الثلث ورقة ضغط في الاستحقاق الرئاسي المقبل، فيؤكد المطلعون على موقف «حزب الله» أنّ حساباته الرئاسية لا تتأثر «لا بالثلث ولا بالربع». وعليه، لا صحة أبداً لما يُنسج من روايات عن الوزير الحادي عشر. هذا ما أبلغه «حزب الله» في وضوح إلى حلفائه.