تُعتبر خطوة حكومة تونس هذه إنجازاً بكل ما للكلمة من معنى، ووفاء لقيم الربيع العربي التي نادى المتظاهرون بها
 
كأن رماد جثة محمد البوعزيزي المحروقة تتناثر فرحاً في السماء بعد سلسلة التطورات الإيجابية التي شهدتها تونس منذ ٢٠١٠.
 
أواخر ذاك العام، إنطلقت مظاهرات حاشدة في شوارع تونس إثر حرق محمد البوعزيزي لنفسه إحتجاجاً على غلاء الأسعار، وكانت خطوة البوعزيزي كفيلة بإسقاط نظام زين العابدين بن علي وإنطلاقة الربيع العربي.
 
وكل من راقب سير الأحداث في البلدان التي حلّ عليها الربيع العربي ضيفاً يرى فروقات جوهرية بين ما حصل في تونس وما حصل في باقي تلك البلدان.
 
فالربيع العربي ساهم في إيصال تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة في مصر وتونس، وتصدروا المشهد في باقي البلدان، قبل أن تبدأ مرحلة الثورات المضادة التي أطاحت بالإخوان المسلمين في مصر.
 
لكن هذه الثورات المضادة لم تحصل في تونس بنفس مستوى العنف رغم بعض الأحداث الأمنية العابرة، فتونس كانت خلال هذه السنين من الدماء والإقتتال المذهبي في العالم العربي عبارة عن جزيرة منعزلة عن كل تلك الأحداث، غارقة في تنظيراتها السياسية وتشريعاتها الإجتماعية، والتي أثبتت لاحقاً صوابية خياراتها ونجاحها.
 
 
وهو أمر لا بد من دراسته بتمعن، لكن بقراءة سريعة يظهر أن تونس على عكس باقي بلدان الربيع العربي نجحت بالنأي بالنفس عن المشاكل الخارجية ومنع تدخلات الخارج.
 
أيضاً، فإن طريقة تعامل "إخوان تونس" ومقاربتهم للأمور مختلفة عن باقي تيارات الإخوان، وهم قريبون نوعاً ما من طريقة تفكير حزب العدالة والتنمية في تركيا.
 
حركة النهضة التونسية، وهي الممثل الرسمي للتيار الإسلامي السياسي في البلاد والذي حكم تونس عبر حكومتين منذ ٢٠١١ حتى ٢٠١٤ حقّق إنجازات نوعية على خط الديمقراطية والحرية، وأبرز هذه الإنجازات هي إقرار دستور تونس ٢٠١٤ والتوقيع عليه، وبعدها المشاركة في الحكم والسلطة مع "نداء تونس"، فكان ذلك أنجح نموذج عن الإنتقال السلمي الديمقراطي في العالم العربي، على عكس ما حصل في مصر تماماً.
 
أما اليوم ، فيرأس البلاد الباجي قائد السبسي (نداء تونس) منذ العام ٢٠١٤ بعد فوزه برئاسة الجمهورية على خصمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي (حركة النهضة)، لكن النهضة باتت تشكل الأكثرية في مجلس النواب بعد الإنقسامات التي شهدتها كتلة نداء تونس ذات التوجهات العلمانية والمقربة من الغرب. 
 
وصدّق منذ أيام مجلس الوزراء التونسي خلال إجتماعه برئاسة السبسي في قصر قرطاج على مسودة قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمن أحكاماً بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وستعرض الحكومة المشروع على البرلمان من أجل المصادقة عليه، حتى يصبح ساري المفعول، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإماراتية.
 
 
وقال السبسي إن "تونس دولة مدنية تقوم على 3 ركائز أساسية وهي المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون“، مشيرًا إلى أن مبادرة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، التي قدمتها رئاسة الجمهورية، دفع إلى طرحها، مضمون الدستور التونسي".
 
علماً أن  الرئيس التونسي كان قد شكّل في شهر آب 2017 لجنة "الحريات الفردية والمساواة"، وكلّفها بصياغة مقترحات إصلاحية في المنظومة التشريعية التونسية بهدف توسيع الحريات.
 
وقدّمت اللّجنة عملها إلى السبسي في يونيو الماضي، وتضمّن تقريرها تنصيصًا على ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام وتحقيق المساواة في الميراث وعدم تجريم الشذوذ الجنسي.
 
وقرّر رئيس البلاد إحالة مقترح المساواة في الميراث إلى البرلمان، واحتفظ بباقي المقترحات، داعيًا إلى “ضرورة تعميق الحوار فيها”، بحسب ما ذكر موقع " اليوم السابع ". 
 
وتُعتبر خطوة حكومة تونس هذه إنجازاً بكل ما للكلمة من معنى، ووفاء لقيم الربيع العربي التي نادى المتظاهرون بها، من المساواة والعدالة الإجتماعية وصولاً إلى الحرية والديمقراطية.
 
 
وبموجب قرار المساواة هذا سيحق للمرأة التونسية حسب موقع "الوطن" بالتالي:
 
المرأة المسلمة يحق لها الزواج من غير المسلم
 
منع زواج القاصرات
 
يحق للمرأة التونسية العمل في المجالات العسكرية والمدنية كافة
 
منع إكراه المرأة على الزواج 
 
لا يحق للزوج تطليق زوجته إلا في المحكمة 
 
منع تعدد الزوجات
 
من حق المرأة تطليق زوجها 
 
المساواة في الميراث.
 
 
لكن القانون بإنتظار المصادقة عليه في البرلمان، وفي ظل الإنقسام الحاد في الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض له، كذلك الإختلاف حوله بين حزبي النهضة ونداء تونس، فمن المقرر أن يواجه القانون صعوبات عديدة داخل المجلس، كون حزب النهضة يعتبره مخالف للشريعة الإسلامية ، وفي ظل أجواء توحي أن لا حلول وسطى أو تسووية عليه . 
 
في السياق عينه، يرى مراقبون في خطوة الحكومة التونسية إنجاز يجب التأسيس عليه، وهم يعتقدون أن القانون سيمرّ في مجلس النواب في حال عودة كتلة "نداء تونس" للتوحّد وهي بالتالي تصبح أكبر كتلة في البرلمان.
 
فقانون المساواة يعكس رؤى "نداء تونس" وهو فرصة قد لا تتكرر ويجب أن تستغلها الكتلة وتساند  السبسي وتبتعد عن خلافاتها حالياً لإتمام هذا النجاح والذهاب نحو دولة تونسية مدنية قائمة على إرادة الشعب ويحكمها القانون .
 
بالمحصّلة، مشاكل تونس وسجالاتها التشريعية تُحلّ تحت قبة البرلمان، وهذا هو الإنجاز الأكبر، أما في باقي بلدان الربيع العربي فالمشاكل تُحلّ في السجون أو على منصات الإعدام، وهذه هي الطامة الكبرى.