فيما يستعد جمهور نادي الحكمة لتظاهرة حاشدة مساء غد الأربعاء في ساحة ساسين، للمطالبة باستقالة إدارة النادي نتيجة المشكلات المالية والادارية التي تتخبّط فيها، يستعد أكثر من 3 آلاف طالب في جامعة الحكمة لخوض انتخاباتهم الطالبية بعد انتظار دام 11 عاماً. في الظاهر تبدو المعركة طالبية لانتخاب مجلس الطلاب المكوّن من 19 مقعداً، أمّا في الباطن فهي معركة سياسية طاحنة، وسباق على تكريس الوجود وتثبيت هوية «النَفَس الحكماوي» في الجامعة الكاثوليكية، وتحديداً بين أكبر حزبين مسيحيين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية».
 

14 كانون الأول 2018، موعد حددته إدارة جامعة الحكمة لإجراء الانتخابات الطالبية، بعدما كانت قد علّقت لسنوات طويلة الأنشطة السياسية الحزبية داخل حرمها، نتيجة الأجواء المتوترة والصدامات بين الطلاب، وعلى أثر تلاسن بين طلاب من «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وحرب بيانات بين التيار نفسه وطلاب من «الحزب التقدمي الاشتراكي».

في التفاصيل

«كل دقيقة دَهَب». وفق هذه المعادلة تسير الاحزاب والتيارات السياسية في جامعة الحكمة، خصوصاً أنها تبلّغت موعد الاستحقاق قبل شهر فقط، مدّة أجمَع مندوبو الاحزاب على أنها قصيرة نسبياً إذ انّ الحياة السياسية والانشطة الحزبية غابت لسنوات عن الجامعة، فيما إعداد المناصرين ورَص الصفوف وترتيب البيت الداخلي يحتاج إلى مزيد من الوقت.

وعلى رغم انّ المعركة تدور على 19 مقعداً موزّعة بين 8 كليات، ووفق القانون الأكثري، يصبّ المحازبون اهتمامهم على كسب أكبر كليتين وهما: كلية إدارة الاعمال التي تضمّ 8 مقاعد، وكلية الحقوق 5 مقاعد، في اعتبار انه يكفي الفوز في هاتين الكليتين لضمان أكثرية المجلس.

«الجمهورية» واكبت عن كثب تحضيرات الماكينات الحزبية إستعداداً للانتخابات:

«القوات اللبنانية»

تحت شعار «قرارك والتزامك حكمة»، يستعد طلاب «القوات اللبنانية» لخوض معركتهم في الكليات كافة. إذ يعتبر رئيس دائرة الجامعات الفرنكوفونية في «القوات» منير طنجر «انّ إعادة الانتخابات الطالبية قرار جريء من الادارة، وأن يأتي متأخّراً أفضل من ألّا يأتي أبداً». ويضيف: «على رغم من الوقت الضيّق فإنّ شبابنا على أتمّ الاستعداد لخوض الاستحقاق، لأننا في قرارة أنفسنا واثقون من أنّ الادارة ستتراجع يوماً ما عن تعليق العمل السياسي». أمّا عن تحالفات «القوات»، فيقول طنجر: «لم تحسم بعد، لكن التوجّه الأكيد أننا كحلف أساسي «القوات» و«الكتائب» ضد «التيار الوطني الحر».

امّا بالنسبة إلى البرنامج الانتخابي، فيقول طنجر: «نحضّر برنامجاً انتخابياً موسّعاً لكل الجامعة، ويتطرق إلى تفاصيل كل كلية وخصوصيتها، من دون أن ننسى أنّ ما يوجِع الطلاب يوجعهم في كل الكليات من دون استثناء. لذا، اليوم سنحاول مساعدتهم لوجستياً، مهنياً، ثقافياً...».

«التيار الوطني الحرّ»

«نحنا جاهزين، والحكمة كتير بتعنيلنا وليست حكراً على أحد». بنبرة حاسمة وحازمة يتحدث مسؤول الجامعات الخاصة في قطاع الشباب في «التيار الوطني الحر» مارك خوري، مؤكداً لـ«الجمهورية» «انّ معظم الأحزاب كانت تعمل على أساس أنه في يوم ما ستفاجئها الادارة وتعيد الانتخابات، ولا بد من أن تكون على أتمّ الاستعداد». ويضيف: «الحكمة أشبَه بفسيفساء لبنان، فيها خليط من الشباب على تنوّع مذاهبهم وانتماءاتهم، وهنا يكمن غِنى المعركة»، مشدداً على «انّ الحكمة لطالما شكّلت المتنَفّس الوحيد للشباب، وأثارت فيهم روح الانتصار خصوصاً مع البطولات التي شهدتها في كرة السلة».

أمّا عن التحالفات التي يميل إليها «التيار البرتقالي» في الحكمة، فيقول: «لم تحسم بعد، إنها في طور التبلور حتى الآن. ليس لدينا مشكلة مع أحد، وسنرى أين تكمن مصلحة الجامعة ومصلحة «التيار» لنحدد تحالفاتنا، وقد تشاورنا مع مختلف الأفرقاء». وينفي في الوقت نفسه أن يكون «التيار» قد تشاور مع «القوات». أمّا بالنسبة إلى برنامج التيار الانتخابي، فيوضح: «على أساس احتياجات الطلاب ومتطلباتهم وضعنا برنامجنا الانتخابي، وأضفنا إليه رؤية التيار ونظرته الى السنة الجامعية، ويجمع البرنامج بين الترفيهي والاكاديمي والاجتماعي».

«الكتائب اللبنانية»
«إنها أمّ المعارك»، يقول رئيس دائرة الجامعات الخاصة في مصلحة طلاب «الكتائب» ميشال خوري لـ«الجمهورية»، مشيراً إلى «انّ الشباب انتظروها بفارغ الصبر إيماناً منهم بالروح الديموقراطية والتنافسية وما تكرّسها من أجواء إيجابية في صفوفهم». ويضيف: «المؤسف أنّ البعض تخرّجَ ولم يَتسنّ له المشاركة في العملية الانتخابية في المرحلة الجامعية إلى أن بلغ سن الـ21».

ويتوقف خوري عند رمزية جامعة الحكمة وما تعنيه من إرث، قائلاً: «هنا تعلّم الشهيد الشيخ بيار الجميّل وفيها ألقى محاضرات، ومن هذه الجامعة إنطلق شباب شاركوا في 14 آذار وفي تظاهرات طالبية في زمن الاحتلال السوري. أكثر من أي وقت مضى نصرّ على الفوز لكي نهديه إلى روح الشهيد بيار، ولكلّ من فكّر للحظة انّ «حزب الكتائب» بعد الانتخابات النيابية سيستسلم، ويوقف عمله، سيسمع الجواب في الانتخابات».

أما بالنسبة إلى طبيعة تحالفهم في هذه المعركة، فيقول: «حتى الآن نحن و«القوات اللبنانية» في مواجهة «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحركة «أمل». ويضيف: «لا شك في أنّ برنامجنا الانتخابي سيلحظ معظم النواقص التي يشعر بها الطلاب والهواجس لجهة الأقساط وغيرها من النقاط».

حركة «أمل»
من جهته، يؤكّد مسؤول مكتب الشباب والرياضة في حركة «أمل»، الدكتور علي ياسين، «انّ شباب الحركة سيشاركون اقتراعاً وترشيحاً». ويوضح لـ«الجمهورية»: «تكتسب الانتخابات الطالبية في الحكمة نكهة مميزة، خصوصاً بعد انقطاع دام سنوات طويلة. إذ تأتي المعركة تحدياً امام الطلاب جميعاً لترسيخ مفهوم التعايش والانفتاح والديموقراطية وتَقبّل الآخر».

ويؤكّد ياسين مشاركة «أمل» في الانتخابات الطالبية في الحكمة «من أجل تثبيت أواصر التواصل بين الطلاب جميعاً، وبناء جسر بين جميع المكونات في الجامعة عبر تواصل مكتب الشباب والرياضة في حركة «أمل» مع الجميع، وتأكيدهم أننا نخوض هذه الانتخابات تحت عنوان مصلحة الطالب أولاً بعيدين كل الابتعاد عن العناوين المذهبية التقسيمية».

أما بالنسبة إلى التحالفات، فيقول ياسين: «ستُحدد في الايام القليلة المقبلة، ولكن بصرف النظر عن التحالفات، ترى حركة «أمل» أنها في تحالف مع الجميع في معركة تعزيز الديموقراطية والتواصل وتَقبّل الآخر في الانتخابات الطلابية في الحكمة. لذا، شعارنا «صوتك للحكمة أمل للتعايش والحوار بين الطلاب».

وعلى رغم من الحماسة التي يُبديها ياسين إزاء عودة الانتخابات، يأسف قائلاً: «تعود الانتخابات اليوم، ولو مشوّهة، بقانون أكثري لإعادة جامعة الحكمة الى «مجموعة الجامعات المنتجة للثروة الديموقراطية»، لذا نسعى في السنة المقبلة الى اعتماد قانون النسبية من أجل تحقيق التمثيل الصحيح لجميع المكونات».

«التقدمي الاشتراكي»

كذلك لم تحسم منظمة الشباب في «الحزب التقدمي الاشتراكي» طبيعة تحالفها، فيقول الامين العام محمد منصور لـ«الجمهورية»: «العلاقة مع القوات متينة وممتازة، مثل العلاقة التاريخية مع حركة «أمل». لذا، الامور في طور البحث والتشاور، ونحن في صدد التنسيق مع الجميع بالنسبة إلى البرامج الانتخابية».

ورداً على سؤال، ماذا يضمن عدم تكرر مشهد السجالات والصدام بين الطلاب في الانتخابات المقبلة؟ يجيب منصور: «لا تجوز المقارنة بين الأعوام التي مضت والحقبة الراهنة، الظروف تغيرت وحتى التحالفات لم تعد وفق ما كانت عليه في الحقبات الماضية». ويضيف: «بصرف النظر عن الاشكال الذي وقع منذ سنوات ومن بعده علّقت الجامعة الانتخابات، وبصرف النظر عن الاطراف المشاركة، نحن على ثقة بأنّ عودة الانتخابات إلى جامعة الحكمة إنجاز، ولا بد من احتفال مشترك بين الاحزاب كافة. ننظر إلى الانتخابات كمحطة لتكريس التعاون بين الطلاب، وبصرف النظر عن الفائز والرابح، لا بدّ من العمل لخير مصلحة الطلاب».

الإدارة: «الحكمة بِتساع الكِل»

عَتب الطلاب حيال القانون الأكثري، والموعد القريب للانتخابات، وغيرهما من الهواجس والملاحظات الطالبية نقلتها «الجمهورية» إلى مكتب شؤون الطلاب في جامعة الحكمة الذي يرأسه الأب غي سركيس.

ويوضح سركيس أسباب إعادة الانتخابات، قائلاً: «أعدنا النظر بعد إلغاء الانتخابات لسنوات، ورأينا أنّ الحل لا يكون عبر السماح فقط بتشكيل نواد اجتماعية ثقافية، إنما لا بد من أن يعبّر الطلاب عن آرائهم وأن يختاروا ممثليهم، ويتعايشوا مع الرأي الآخر. وبسبب تزاحم المواعيد لم نجد موعداً آخر لهذا الاستحقاق، بشكل لا يُسيء إلى الفصل الدراسي». وعن القانون الأكثري، قال: «كخطوة أولى كان لا بد من أن ننطلق من نقطة محددة، ندرك أنّ القانون الذي اخترناه ليس جريئاً، ولكن بوسعنا تطويره في السنوات القادمة».

ختاماً، يحرص سركيس على التأكيد انّ الحكمة تتسِع للجميع، قائلاً: «خيط رفيع بين المحافظة على الهوية والتعاطي بعنصرية، فهوية جامعة الحكمة المسيحية لا تعني أنها حصرية لأحد، إنما تغتني بغِنى طلابها وتنوعهم»، رافضاً «أي محاولة لاستغلال الوتر الطائفي لاجتذاب الطلاب».