وثيقة تتحدث عن شكل التفاوض والصراع بين الشيعة والفرنسيين لحظة ولادة دولة لبنان
 
 كتب المرجع الشيعي الشيخ "محمد تقي الفقيه العاملي " في كتابه (حجر وطين /ج4/ص 71 ـ 72) عن سيرة والده المرجع الشيخ يوسف الفقيه في عهد الإحتلال ،  أنه عندما اندحر العثمانيون تيتَّم عملاؤهم وأنصارهم من الإقطاعيين، كان ذلك اليوم عيد للأحرار، وكان المترجم له أول واحد يطالب بالوحدة السورية، وأقل مفاهيم الوحدة السورية في ذلك العهد، هو انضمام جبل عامل وفلسطين والأردن إلى سورية، وعدم ارتباط مصير جبل عامل بمصير لبنان، وكانوا يؤملون استمتاع البلاد العربية بالحكم الذاتي، تحت رعاية الملك حسين، وأولاده عبدالله وفيصل وعلي، الذين قادوا الثورة، وتولوا توجيه أنظار العرب إلى تحرير العرب من عبودية الأتراك، ولم يزل المترجم له وعدد من العلماء والوجهاء يديرون دفة الحركة، فيقررون الاجتماعات ويوقعون المضابط، ويبثون الدعوة، إلى أن جاء الأمير فيصل ابن الحسين إلى الشام ليتوج فيها ملكاً، فذهب العلماء والزعماء وبايعوه.
                                                                                                                              وعادوا إلى بلادهم فرحين، ولما وصلوا إلى بيروت دُعوا لمواجهة "غورو" القائد الفرنسي فترددوا في المواجهة، وكان شطر منهم قد توجهوا من بيروت إلى قراهم وبقي شطر آخر، وأخيراً استقر الرأي على المواجهة، فذهب إلى مواجهة "غورو" الشيخ الوالد والسيد عبدالحسين شرف الدين وجماعة من العلماء، وكامل بك الأسعد...       
 
إقرأ أيضًأ:  أزاويط السياسة اللبنانية.....                   
 
فلما وصلوا إلى مقر "غورو" وأُدخل كامل بك عليه، ثم عاد فرحاً مستبشراً قائلاً: جئتكم بالبشارة الكبيرة، قالوا : وما هي ؟ قال : الإلتحاق بلبنان، إنَّ آباءنا كانوا يقولون : "نيال مين إلو مرقد عنزة بلبنان"، فليقم بعضكم وليدخل معي إلى غرفة القائد.. فدخل هو والشيخ الوالد والسيد عبدالحسين شرف الدين، فخاطبهم القائد بالفرنسية، فلم يعرفوا ما قال، فترجم لهم الترجمان قائلاً: الجنرال يقول ما تقولون في الإلتحاق في لبنان، فسكتوا هنيهة، ثم تداولوا الرأي فيما بينهم، فقال أحد الثلاثة: الإلتحاق بلبنان مصلحة كبيرة، ووافقه الثاني، فقال الشيخ: الإلتحاق بلبنان مفسدة كبيرة، بالأمس كنا في دمشق وبايعنا فيصل، وسينجم عن الشيء الكثير، وتكلموا بهذا الكلام فيما بينهم ولم يفهمه "غورو" طبعاً، فسأل "غوروا" الترجمان عما قالوه، وبعد بيانه قال له: سل هذا الذي يقول الإلتحاق بلبنان مفسدة كبيرة، ما هي هذه المفسدة ؟ فسأله فقال الشيخ متحفظاً : إن ها هنا إثنا عشر عالماً، وفي البلاد نحو أربعين عالماً، وزعيم واحد، وفي البلاد خمسمائة وجيه، ونحن لا نستطيع البتّ بدون استشارتهم..!!!!                       فقال لهم القائد "غورو" بالفرنسية: اذهبوا واجمعوا علماءكم وزعماءكم، فأخبرهم المترجم بذلك، فخرجوا وتفرقوا وعادوا لبلادهم...                                                      
 
وبقي الشيخ والسيد جواد مرتضى في بيروت، خشية أن يعتقلهم الجيش الفرنسي المرابط على الجسور ما بين بيروت وصور، إذا علموا بما جرى، لأنه على خلاف رغبة الفرنسيين، لأن فرنسا ترغب في إلحاق جبل عامل بلبنان..                                                       
 
وفي اليوم الثالث، حضر الأمير "فيصل" إلى بيروت واستدعاهم إلى منزله في بيت سرسق، وأرسل لهم عربته الخاصة، وسألهم عما جرى قائلاً: ما عدا مما بدا، فأعلموه...               
 
ثم سعوا للحصول على بطاقة من "غورو" تضمن لهم سلامتهم من الجيش الفرنسي المرابط على الجسور، فلما عادوا حدثت فتورة في الصفوف بعد هذا الموقف، ولكنهم كانوا ولم يزالوا يعملون مجتمعين إلى أن اجتمعوا في يوم وادي الحجير، ذلك الإجتماع المشهور، عندئذٍ رأى الشيخ أنَّ المسألة انتهت إلى الفوضى، فوقف في وجه الجماهير، وجعل يهدئ أعصابهم، فاعترضه أعز أصدقائه السيد عبدالحسين شرف الدين، وقال له : دع الشباب في غلوائها، وكان هذا موافقاً لهوى الجماهير، ولرأي بعض العلماء، ومنهم السيد عبدالحسين نور الدين الذي خطب وقال : "لم يكن لدينا سلاح، نقاتل به فرنسا، قاتلناهم بالحجارة... "
 
"إنتهى"...