تُواصِل العقدة السنية «استنزاف» القوى المعنية بها و«اعتقال» مشروع الحكومة، فيما يستمر الوضع الداخلي في التآكل والتعفّن، تحت وطأة الانتظار، الثقيل الوطأة... والكلفة.
وعلى رغم انسداد شرايين الأزمة وتفاقم عوارضها، لا يزال كل طرف يحاول أن يتفادى تسديد فاتورة الحل من جَيبه، مراهناً على أن يُبادر الآخر الى التنازل أولاً.
 
ووسط هذا المأزق المتمادي، هناك من يعتقد أنّ مفتاح المعالجة موجود في قصر بعبدا، بينما يعتبر القريبون من الرئيس ميشال عون انّ ضريبة التسوية لا يجب ان تُقتطَع من «العائدات الوزارية» لرئيس الجمهورية.
 
أمّا المقتنعون بأنّ عون يستطيع معالجة العقدة السنية بين ليلة وضحاها، فينطلقون في فرضيتهم من الاعتبارات الآتية:
 
ـ أولاً، إنّ أي تراجع لـ«حزب الله» و«اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين» سيبدو بمثابة انكسار سياسي لهما، كما انّ اي تنازل من الحريري في اتجاه قبوله بتمثيل هؤلاء السنّة سيبدو بمثابة هزيمة له، خصوصاً انّ المواجهة بين الفريقين أخذت منحى التحدي المباشر.
 
وحده رئيس الجمهورية في إمكانه أن يتخلى عن المقعد السني، المفترض أنه مُدرج ضمن حصته، من دون أن يتخذ هذا القرار شكل الهزيمة او الانكسار.
 
ذلك انّ عون، الحريص على ان يقدّم نفسه أباً لجميع اللبنانيين وحَكَماً يقف على مسافة من الاصطفافات الفئوية وبالتالي حاضناً لكل الجمهورية ومؤتمناً عليها، سيظهر بمظهر الرابح وطنياً والمترَفّع سياسياً إذا قرر أن «يُفدي» حكومة عهده الاولى بمقعد سني.
 
ـ ثانياً، إنّ معظم شخصيات «اللقاء التشاوري» كانت أساساً حليفة لعون على مستوى الخيارات الاستراتيجية، أيام تَولّيه زعامة «التيار الوطني الحر» ورئاسة «تكتل التغيير والاصلاح».
 
ولطالما دعمته في معاركه السياسية ووقفت الى جانبه أثناء الانقسام الحاد بين 8 و14 آذار، وهي لا تزال حتى الآن تؤيّد الخطوط العريضة لنَهجه، ما يعني انّ أي نائب يتم توزيره من النواب الستّة سيكون بمثابة إضافة الى رصيد العهد ورافداً لمسيرته، حتى لو لم يكن هذا الوزير مصنّفاً ضمن الحصة المباشرة لرئيس الجمهورية.
 
ـ ثالثاً، انّ عون هو المتضرر الأكبر من التأخير المتمادي في تشكيل الحكومة، إذ انّ كل يوم يمر من دون إنجاز الولادة المنتظرة إنما يشكّل خسارة مباشرة للعهد وعبئاً عليه، خصوصاً انّ الطموحات الاصلاحية لرئيس الجمهورية معطوفة على التحديات الاقتصادية تتطلّب التعجيل في التأليف، وهو القائل في خطاب عيد الاستقلال انّ الوقت الضائع لا يمكن تعويضه.
 
ـ رابعاً، إنّ عون يحتاج الى أن يُثبت للبنانيين مرة أخرى أنه ليس رئيساً تقليدياً للجمهورية يقبل بأن يستغرق تشكيل الحكومات في عهده أشهراً طويلة كما كان يحصل في السابق، وأنه يملك شجاعة المبادرة واتخاذ مواقف استثنائية لمعالجة أي عقبة أو عقدة قد تعترض ولادة الحكومة، وصولاً الى صنع الفارق بين تجربته الرئاسية وتجارب أخرى.
 
ـ خامساً، إنّ عون، الذي نشأت بينه وبين «حزب الله» علاقة وفاء متبادل صَمدت أمام ضغوط حرب تموز ثم اختبارات الاستحقاق الرئاسي، يعرف كما السيّد حسن نصرالله أنّ ما يربطهما أعمق وأثمن من أن تتمّ المخاطرة به من أجل مقعد وزاري.
 
الطرح المعاكس
 
في المقابل، يرى المدافعون عن سلوك رئيس الجمهورية أنه ليس معنياً بأن «يتبرّع» بوزير من حصته لمعالجة عقدة سنية ليس مُتسبّباً بها ولا يتحمّل مسؤولية حلها من «لحمه» السياسي الحي. بالنسبة الى أصحاب هذا الرأي، فإنّ تَخلّي عون عن مقعد وزاري سيرتّب إنقاصاً في «وزنه» داخل الحكومة ومن ثم انخفاضاً في قدرته على التأثير، الأمر الذي من شأنه إضعاف موقعه الترجيحي في مجلس الوزراء.
 
والمتحمّسون لوجهة النظر تلك، يلفتون الى انّ رئيس الجمهورية، الذي تقلّصت صلاحياته كثيراً بموجب الدستور المُنبثق من «اتفاق الطائف»، يحاول من خلال كتلته الوزارية التعويض نسبياً عمّا خسره دستورياً.
 
ولذلك، هو لا يتحمّل أن تتم التسوية الحكومية على حسابه، خصوصاً أنّ دور الحَكَم، الذي يطالبه البعض بتأديته، لا يستقيم بلا قوة وزارية وازنة يرتكز عليها.
 
ويشير هؤلاء الى أنّ رئيس الجمهورية قدم إطاراً للحل عبر اقتراحه إلغاء المبادلة بينه وبين الرئيس المكلف، بحيث يُعاد المقعد السني الى الحريري ويستعيد عون المقعد المسيحي، ما يسمح بإيجاد مخرج أو إخراج مناسب لتسوية مقبولة