قبل حَلّ العقدة «القواتيّة» والدرزية، طرحت «القوات اللبنانية» تفعيل العمل الحكومي في انتظار تأليف الحكومة الجديدة، ولاقى هذا الطرح يومها قبولاً متحفّظاً لدى الرئيس سعد الحريري، ورفضاً لدى الرئيس ميشال عون في اعتبار أنّ تفعيل العمل الحكومي يعني من ضمن ما يعنيه دخول العهد في عصر تصريف الاعمال، وهو ما لا يقبل به. وما لم يقبل به العهد لم يذهب الحريري الى الموافقة عليه، وبالتالي طويَت تلك المطالبة، الى أن تحركت الاتصالات وتَوصّلت الى حل العقدة القواتيّة بموافقة «القوات» على ما أعطي لها من حقائب وزارية.
لم تكد أزمة تمثيل «القوات اللبنانية» تنتهي، وكذلك أزمة التمثيل الدرزي، واعتقدَ الجميع أنّ مراسيم الحكومة باتت قيد الطبع، حتى طافَت العقدة السنّية على السطح، وعاد الجميع الى المربّع الأول، بما يعني العودة الى تلاشي احتمال تأليف الحكومة، من دون تحديد آفاق زمنية للأزمة.
 
وبناء عليه، باتت الحكومة مؤجّلة لفترة طويلة مقبلة، وهو ما أعاد طرح تفعيل الحكومة الى الواجهة، بسبب الاستحقاقات الداهمة التي تُضفي بثقلها على الوضع الاقتصادي.
 
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ «القوات اللبنانية» تتجه الى المطالبة بتفعيل الحكومة وتحديد اجتماعات حكومية بناء على توافق يفترض أن يحصل، أي بناء على جدول أعمال طارئ اقتصادي بالدرجة الاولى، يتعلق باتخاذ قرارات جراحية هي نفسها التي طالبت بها «القوات» قبل فترة، وتتعلّق بدرس خطوات في ملف الكهرباء والاتصالات وفي اتخاذ قرار صارم بوَقف التوظيف في القطاع العام، ومكافحة التهرّب الضريبي وضَبطه في المرافق العامة (المرفأ وغيره من المرافق).
 
وهذه البنود، وفق «القوات اللبنانية»، يمكن لها أن تخفّض العجز السنوي في الخزينة من 3 مليارات دولار الى 4. وهذا الأمر باتَ أكثر من ضروري، لأنّ الجميع يعرف بالأرقام أنّ الأزمة الاقتصادية باتت تُنذر بمؤشّرات سلبية وخطيرة، وأنه في ظل عدم تشكيل حكومة يفترض البَت بهذه القرارات في حكومة تصريف الاعمال تفادياً للأسوأ.
 
في اختلاف الظروف التي باتت تُملي النظر الى ما ستطرحه «القوات اللبنانية»، يمكن قول الكثير.
 
فبالنسبة الى العهد، أولاً لا يفترض بعد التعطيل شِبه الكامل لتأليف الحكومة أن يَلقى اقتراح تفعيلها أيّ اعتراض، خصوصاً انّ عون متضرّر من عدم تشكيل حكومة عهده «الأولى».
 
كما أنه سيتلقى، أسوة ببقية مكوّنات الحكم، النتائج السلبية لأيّ تداعيات اقتصادية، فالسقف عندما ينهار إنما ينهار على الجميع، وتعطيل تأليف الحكومة بات معروفاً مصدره، بعد حلّ عقدة التمثيل المسيحي والدرزي، وبعد دعم عون لمطلب الحريري ثم انكفائه الى لعب دور الوساطة التي تَترنّح بدورها على إيقاع رفض الوزير جبران باسيل الاستمرار بها اذا كان سيدفع ثمنها من كيس حصّته الوزارية.
 
أمّا بالنسبة الى الحريري، فهو من المحبّذين لفكرة تفعيل الحكومة اذا لم تؤدّ الى الإضرار بعلاقته مع عون، وهو سَبق له أن لَمّح الى إمكان عودته الى السراي لممارسة تصريف الأعمال من مكتبه، بما يوحي أنه يُدير عجلة الحكومة المستقيلة وكأنها حكومة قائمة فعلاً.
 
والحريري يواجه كرئيس مكلّف وكرئيس لحكومة تصريف الاعمال، أعباء الوضع الاقتصادي والاضرار الناتجة من عدم تحقيق الاصلاحات المطلوبة لمؤتمر «سيدر»، وسيكون الوقت المهدور عامل ضغط سلبي قد يهدد المؤتمر نفسه، على ما أسَرّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لعون في لقائهما الأخير.
 
ويبقى السؤال: هل ستحظى جهود تفعيل حكومة الضرورة على موافقة الاطراف؟ أم أنّ أزمة تأليف الحكومة ستُبقي الأزمة الاقتصادية في دائرة الخطر، وهو ما قد يَستتبِع نتائج سلبية على الليرة، وفق تحذيرات لم تعد تُقال في الغرف المغلقة؟