لو قارنا حالة هذه الرواية التي روتها عجائز البلد، مع الموظفين في المؤسسة الرسمية والدينية، وكيف يدير المسؤولون سياسة هذا البلد، مع قصة الفلسنجي، لوجدنا أنهم جميعاً أزوايط، وكل أزوط طائفي حزبي يختلف عن الطائفي الحزبي الأزوط الآخر، ويبقى عميد الأزاويط هو الأزوط الأوحد في الدين والسياسة في هذا البلد
 

هكذا روت عجائز لبنان... أنَّ فلسنجياً ـ الفلسنجي باللكنة الجنوبية هو رجل بسيط ومعتر وساذج ـ قرَّر السفر إلى بلاد الإفرنج باحثاً عن وجوده وكسب رغيف خبز أو كسوة طحين يقوى بها لإطعام عياله، لأنه وُلد في مقابر الموت وتابوت الوطن، ولم يتسنَّى له الكثير من فرص العيش بعد أن قرَّر أبواه السفر إلى ربٍّ رحيم وغفورٍ، وغادرا دنيا السماسرة والأزاويط والجبابرة والطواغيت.

ذهب الفلسنجي إلى دائرة جوازات السفر، وطلب من الموظَّف الذي فرضته السياسة الحزبية المحلية، لأنه أولى بهذا المنصب من صاحب الكفاءة وإجازته العلمية، إذ لا يمكن لصاحب الكفاءة إلاَّ أن يكون محكوماً من قبل قاطعي الطرق من السفهاء الذين تسلَّطوا من قبل أزاويط البلد، إقترب الفلسنجي منه وطلب جوازاً، فسحب الموظف ـ الذي يأكل أكثر مما يعمل، كأخيه الذي يأكل من تعب وأكتاف الناس وهو نائم أكثر مما هو مستيقظ، جلَّ همه بعد إفاقته كيف يشرب "معسل تفاحتين" ـ وجلب الإستمارة وبدأ يملئها، وأخذ يسأل الفلسنجي عن إسمه وإسم عائلته وبلده وشهادته العلمية، ويسأله أيضاً عن طوله وعرضه وكم تبلغ نمرة رجله، وغيرها من شرائط الوظيفة، هنا إلتفت الفلسنجي إلى نفسه متمنياً لو كان رجلاً عاطلاً عن العمل ويرتدي زي رجال الدين، ولا همَّ عنده إن كان عالماً أو جاهلاً، لأنَّ في البلد مؤسسة رسمية تُعنى برجال الدين فاقدة لكل شروط الوظيفة، ولا يوجد فيها ضابطة تحدَّد ما هو المطلوب منه رسمياً لكي يحصل على وظيفة ـ مفتي، أمين سر الفتوى، مدرِّس فتوى، وغيرهم من صغار الكتبة... في هذه الأثناء وصل الموظف وهو يملي الإستمارة إلى بند علامات فارقة، فنظر في وجه الفلسنجي ووجد أنَّ لديه حولاً في عينه اليمنى، فسجَّل الموظف "أزوط العين اليمنى"..

عاد الموظف لإكمال الإستمارة، نظر إلى الفلسنجي فرأى العين اليمنى عادت إلى طبيعتها، وتحوَّل الحول إلى العين اليسرى، غضب الموظف ومزَّق الإستمارة وأخذ أخرى لإعادة تسجيل المعلومات على أساس "أزوط العين اليسرى"، وطلب أخيراً من الفلسنجي أن يوقِّع، ففوجئ بأنَّ عينه اليسرى عادت كما كانت، وأنَّ الحول عاد إلى العين اليمنى، غضب الموظف غضباً شدياً ومزَّق ما كتب على الإستمارة، وتناول ملفاً من ملفات الوزارة وكتب عليها: "أزوط على كيفو"... وهكذا لو قارنا حالة هذه الرواية التي روتها عجائز البلد، مع الموظفين في المؤسسة الرسمية والدينية، وكيف يدير المسؤولون سياسة هذا البلد، مع قصة الفلسنجي، لوجدنا أنهم جميعاً أزوايط، وكل أزوط طائفي حزبي يختلف عن الطائفي الحزبي الأزوط الآخر، ويبقى عميد الأزاويط هو الأزوط الأوحد في الدين والسياسة في هذا البلد...