لا أدري لماذا يحرِّمون هذه الحرية الراقية في التصوُّف والتصرُّف المبدع؟
 

الغناء فنٌ من الفنون التي رافقت حياة البشر عبر التاريخ، نظراً لما يحمل للبشرية من الإحساس والسعادة،ولما يعكس من كابوس الكآبة والحزن والمرض، إلى نوع من أنواع تهدئة النفس، التي أكلها صدأ الصمت وعكاز العمر ـ عذراً فيروز ـ فأنتِ السيدة التي تداوى من ثمارك الجرحى والجياع، وأنتِ الضوء الخافت في الداخل، والساطع في الخارج على أنغامكٍ الشجية، والألحان الراكظة في بلد الغربة والغرابة والإغتراب.. 

لا أدري لماذا يحرِّمون هذه الحرية الراقية في التصوُّف والتصرُّف المبدع،وهذه المجَّانية في الكرم والبذل والعطاء،وهذه الروحية التي انعكست تسبيحاً، لا بل هذه الترانيم التي تقرِّب إلى عرش الله..؟ 

هذا التساؤل أجاب عنه فقيهٌ وعالمٌ ينحني له الفكر بإعجاب، وترمقه الدنيا بعين الدهشة والإجلال والإكبار، فكان حقاً هو الإمام موسى الصدر قائلاً: " مَن يُحرِّم.؟ الإسلام، بريء من تعقيم الإنسان".. وعندما سُئل أحد العلماء: هل غناء فيروز حرام؟ فأجاب وهل هذا غناء... إنه دعاء؟..مضيفاً كما ورد عن "الأغاني لإبي الفرج/ج8/ ص224/ ،(الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم،ولا يدفعه عابدهم)، وهناك مثل شاع في العصر الأموي والعباسي كما ورد "المغنُّون رُسُل الغرام"...  

إقرأ أيضًا: للشمس خيوط وللأرض فيروز!

 

حاصل هذا التساؤل: هو أنَّ الإسلام دينٌ واقعيٌ شرع للبشرية بملاك إسعادها، فقال تعالى: (...ليخرجكم من الظلمات إلى النور....قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده... يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر)...يبقى هذا السؤال يحتاج إلى جواب جليٌ وواضحٌ يُجلي غوامضه، ولا يدع مجالاً للشك والرَّيب والتريُّب..مع ملاحظة أنه لم يرد لفظ "الغناء" في القرآن الكريم، وإنما وقع في الأخبار والروايات وفي كلامات اللغويين، ولهذا وقع الخلاف بين فقهاء  المسلمين حول موضوع الغناء وما هو..؟ فضلاً عن الحرمة وعدمها..؟ وقد أفرد العلماء والمفكرون المسلمون الوقت الكافي في بعض كتبهم في مجال "الموسيقى والغناء" منهم: الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم، لتثبيت العلاقة بين الموسيقى والنفس والفكر الرياضي والفلسفي من النواحي المختلفة..وأخيراً كما يذكر أبو الفرج الأصفهاني عن بعض الحكماء: "من سمع الغناء،فلم يرتح له كان عديم الحس أو سقيم النفس، فهو غذاء الأرواح"...