في مثل هذا اليوم نال لبنان استقلاله بعد أن أفرجت سلطات الانتداب الفرنسي عن الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح من قلعة راشيا، وصدّقنا أنّ لبنان بات بلداً ووطناً طبيعياً، لكن في كل 22 تشرين الثاني يتحسّر اللبنانيون على رحيل آخر جندي فرنسي عن لبنان الكبير، فهل نستحق هذا الاستقلال؟
 

قلنا لا للغرب ولا للشرق، والنفيان لم يصنعا وطناً، وما زلنا نبحث عن الاحتلال الذي صنع للبنان مؤسساته الوحيدة التي بقيت تعمل على اعتلال الى اليوم.

هل نستحق ما تغنّينا به طوال 75 عاماً بأننا البلد الوحيد، ربما في العالم، الذي يحتوي على كل هذه الجماليات وهذا الغنى الطبيعي، نسخر من أنفسنا على طريقة زياد الرحباني حين نتغنّى بأنّ الجبل يشرف على البحر، وأنّ السباحة ممكنة والتزلّج ممكن في فصل واحد وأنّ ساعة تكفي من الشاطئ لتصل الى ارتفاع ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر، ونردّد: بماذا نحن مفضلون على هذه الطبيعة الخلابة التي صنعها الله وسلّمنا إياها أمانة، فماذا جنت أيدينا.

هذا اللبنان الذي أقفل أبناؤه شاطئه بالقذارات والعمران البشع والمسابح الوقحة التي تحجب البحر عن الجبل.

هذا اللبنان الغارق في عمران الباطون المسلح الذي اجتثّ الاشجار، وحجب ما تبقّى من قرى القرميد وبيوت الحجر الرائع.

هذا اللبنان الذي يسرح هواؤه الملوّث على طول ساحله وجبله.

هذا اللبنان الذي تتنازع فيه إمارات الطوائف لنهبه وتدميره وتحويله مصحّاً عقلياً، لا تعرف فيه مَن السوي ومَن المريض.

هذا اللبنان الذي تستفيق فيه كل عشر سنوات فئةٌ وجماعةٌ على أحلام مجنونة، تضعه رهينة مجانية لسياسات مستحيلة.

هذا اللبنان الذي يحلم أبناؤه بالوقوف في صف طويل امام سفارة، او بركوب عبّارة، لنيل جواز سفر.

هذا اللبنان الذي انتخب ابناؤه جلاديهم وهم يحتفلون نشوة، كأنهم في سيرك أو في مباراة رياضية، هذا يصفق وذاك يرقص ولا يدري أنه راقص على ضريحه.

هذا اللبنان الذي استبدل أبناؤه مياهه الجوفية بالمجارير، فشاهدوا عاجزين كيف يقضي القبح على الجمال.

ربَّ مَن يسأل عن عجزنا وألمنا ولا يجد الجواب. والجواب في داخلنا. وربما نحن الجواب.

لا يزايد أحد على نفسه ولا يختبئ وراء عجزه. نحن الجواب على كل هذه البشاعة.

نحن سرّ البشاعة والفوضى، والطائفية في داخلنا خبيثة شروشها ضاربة في الاعماق. نحن الجواب في جمهورية المجانين، فلا أحد منا يستحق الرحمة، ولا يملك أيّ منا حق الصراخ ألماً.

نحن الجواب الأسود الذي يختصر كل مآسينا.

لا تضحكوا على أنفسكم فهؤلاء هم اللبنانيون.

إنهم مَن يشتمون زحمة السير، وهم مَن يجدّدون لمَن لم يفكر يوماً في رؤية عملاقة لمدينة حديثة وبلد ناهض.

انهم مَن يُذلّون كل يوم في الضمان الاجتماعي والادارات والوزارات، ولا يفكرون للحظة بمحاسبة مَن أبد لهم دولتهم المهترئة.

استلزمت معاملة رفع اشارة قمت بها عن عقار شهرين ونصف، وكتبت على صفحتي الفايسبوكية، ان في هذه الفترة تكون حكومة دبي الاكترونية قد انجزت مئات الآلاف من المعاملات.. ضحكت وضحك اصدقائي من هذا الواقع لكن كان علينا إذا لم نثر أن نبكي، ولكننا ضحكنا. نعم نحن هم هؤلاء اللبنانيين.

علقنا في عجقة الاستقلال وشُتمنا لكننا ما زلنا نحن وسنبقى.

البلد الاجمل أصبح عصيّاً على الحياة واليكم المزيد.

مئة مليار دولار دين عام، ولا تتشكل حكومة.

عذراً ايها الذين انتهكت مشاعرهم لسماع اصوات سجناء الاستقلال، في بيروت الكبرى. فلقد خُدش صراخ السجناء المرهف.

يا سجناء قلعة راشيا تعالوا بعد 75 عاماً وشاهدوا الأربعة ملايين لبناني وقد صنعوا سجنهم بأيديهم.

إستقلال قلتم؟

كان جواهر نهرو مُحقاً عندما قال في قمة عدم الانحياز للأمم المستقلة حديثاً عن الاستعمار: بماذا تفرحون؟ بقصاصة ورق أعطوكم إياها، فهل أنتم جاهزون مع أُممكم لهذا الاستقلال؟

هذا استقلال يسجن فيه شعب لكي تحتفل مجموعة الفساد الأخلاقي على المنصة ولكي تعزف لها الأناشيد، فأيُّ استقلال؟

وداعاً يا صخرة نهر الكلب، لقد هرمنا.