غالب الظنّ، أنّ أعضاء من «اللقاء التشاوري» السنّي، ما كانوا ليعتقدوا يوماً أنهم سيملكون قرار تشكيل حكومة سعد الحريري وتعطيلها، بعدما تمكّن الأخير من تخطي الحاجزَ النفسي لعلاقة ثنائية ثابتة ومباشرة مع «حزب الله»، بنجاح.
 

لا شك في أنّ هذا البعض، تملكّه الخوف من أن يكون الانسجام المستجدّ على خط بيت الوسط - «حزب الله»، على حساب «البيئة السنية الممانعة». فجولات التنسيق الحاصلة بين خصمي السنوات العشر الماضية، والمرشحة للتوسّع والتعمّق، كافية لتدفع «حزب الله» إلى تأجيل استحقاق توزير حلفائه، طالما أنّ النسبية في قانون الانتخابات، صارت في «الجيبة».

وإذ بالتطورات تثبت العكس. جيّر «الحزب» كل نفوذه، ومعه «الفيتو» الشيعي الذي يملكه بالتكافل والتضامن مع حركة «أمل»، أسوة ببقية المكونات الطائفية التي يملك كل منها قراراً تعطيلياً، في سبيل تحقيق هدف واحد: تكريس الثنائية في الشارع السني، وجلوس أحد حلفائه إلى جانب سعد الحريري، ترجمة لنتائج صناديق النيابة.

هكذا، يواصل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مسعاه التوفيقي بين رئيس الحكومة المكلف والنواب السنة المستقلين. يستظلّ الوزير «المفوّض» من رئيس الجمهورية منطق الحيادية، أي أنه ليس طرفاً في الأزمة، فيما دخوله على خط المعالجة هو من باب السعي الى نزع لغم تفجير الحكومة العتيدة، وليس بروحية تكبّد ثمن حلّ الأزمة.

ولهذا قطع الطريق باكراً على أيّ سيناريو من شأنه أن يفقد الحصة الرئاسية معطوفة على الحصة «البرتقالية»، وزيرها «الملك» الذي يبقي حقّ التعطيل بيد رئيس الجمهورية ومعه باسيل طوال أربع سنوات، من خلال حصة الـ11 وزيراً.

فيما زعيم تيار «المستقبل» يتصرّف وكأنه يحمي آخر أوراق «تينه»: إعتَرَفَ أنّه لم يعد الممثل الوحيد لأبناء طائفته، وأنّ نظام النسبية عرّاه من زعامته الأحادية، لكنه غير مستعد لوضع المقصلة فوق رقبته. يتذرّع في أنه لن يدفع الثمن مرتين، ولكنه يعرف تماماً أنّ مَن يقبل بالنسبية نظاماً لقانون الانتخاب، عليه أن يرضى بنتائحها آليةً لتشكيل الحكومة.

وبالتالي إنّ تقاذف الرفض الحاصل بينه وبين رئيس الجمهورية حول مَن يتولّى معالجة «اعتلال تمثيل» الطائفة السنية، ليس سوى رميٍ لكرة المسؤولية من ملعب إلى آخر. فبعدما رفع الحريري يديه رفضاً للاقتطاع من حصته لمصلحة ممثل النواب السنة المستقلين، تكفّل رئيس «التيار الوطني الحر» من خلال ما أدلى به في جولته، أو ما قاله أمام مَن التقاهم، بنسف أيّ احتمال قد يجعل من حصة رئيس الجمهورية «كبشَ الفداء» من خلال التخلّي عن الوزير الحادي عشر.

وبهذه الروحية التقى باسيل «اللقاء التشاوري» للنواب السنة المستقلين، الذي عاد ليؤكّد ما سبق وكشفه النائب فيصل كرامي نقلاً عن رئيس الجمهورية، ومفاده أنّ خطوة الحريري في عدم توزير النواب السنة غير حكيم، حيث كرر رئيس «التيار الوطني الحر» قوله إنّ الاعتلال هو في الشكل فقط، ما يعني أنّ المضمون سليم، وبالتالي إنّ مطالبة هؤلاء بالتوزير لا غبار عليها.

بهذا المعنى لم يتردد باسيل في التأكيد أمام مضيفيه، أنّه سبق له أن أبلغ الى رئيس الحكومة أكثر من مرة أنه سيواجه هذه الأزمة عاجلاً أم آجلاً، وأنّه لا بد من معالجتها باكراً لكي لا تنفجر في وجهه... وهي ليست بطارئة في نظره ولا مفتعلة، وإنما تكريس لنتائج الانتخابات، فلا تُترك الطائفة السنية بيد مرجعية واحدة، وإن كان يسجّل ملاحظة على سياق تشكُّل «اللقاء التشاوري». فيما كان ردّ الحريري دوماً «لا تاكلوا الهم»!

ولكن يبدو، وفق المتابعين، أنّ رئيس تيار «المستقبل» كان يراهن على ليونةٍ ما قد يبديها «حزب الله» تجاهه بمثابة «ردّ رجل» على الايجابية التي يتعاطى بها الحريري مع «الحزب»، وهو كان سيتخلّى، في نظره، عن مسألة تمثيل النواب السنة حلفائه «تكريماً» له.

أما جديد المعالجات، فهو اقتراح باسيل أن يستردّ رئيس الجمهورية وزيره المسيحي من رئيس الحكومة على أن يستردّ الأخير وزيره السني الذي قد يجيّره لمصلحة سنة الثامن من آذار. ويبدو حتى اللحظة أنّ رئيس الحكومة غير مرحب بهذا الطرح ولا يزال متمسكاً بوزيره المسيحي تاركاً لغم الحكومة في مربعه السني.

أما بالنسبة الى اللقاء المنتظر بين الحريري ونواب «اللقاء التشاوري»، فقد أفادت مصادر هؤلاء أنّ باسيل فاتحهم في الأمر، إلّا أنّ الرد كان واضحاً: إنّ العلاقة مع رئيس الحكومة ليست علاقة خصومة لكي يحتاج الموعد إلى وساطة.

وحين يقرّر النواب الستة لقاء رئيس الحكومة، يمكن لهم إمساك الهاتف وطلب الموعد. وطالما أنّ هؤلاء لم يحدّدوا لحظة طلب الموعد، فلا يمكن تحميل الحريري مسؤولية رفض الجلوس اليه.

وفي هذا الاطار تفيد المعلومات أنّ ثمة وجهتي نظر داخل «اللقاء التشاوري» إزاء هذه المسألة: فريق يعتبر أنّ النواب الستة أفصحوا عمّا لديهم وصار الرأي العام على بيّنة من مطالبهم ومقاربتهم للمسألة.

ويُفترض أن يخرجوا من لقاء رئيس الحكومة ليبلغوا جمهورهم بما لدى الأخير من جديد أو من معطيات، وطالما أنّ الحريري لم يرسل أيَّ إشارة إيجابية، فهذا يعني أن لا جديد لديه، وبالتالي لن تقدّم الجلسة مع رئيس الحكومة أيَّ معطى اضافي. ولا داعي، في رأي هذا الفريق، لرمي الزيت فوق النار.

أما وجهة النظر الثانية فتقول: لنتوجّه للقاء رئيس الحومة ولنضعه أمام مسؤولياته وأمام الرأي العام. وبالتالي إنّ الهدف من هذا الموعد هو إحراج الحريري لا أكثر. ولهذا لا يزال بند لقاء رئيس الحكومة موضع نقاش داخل «اللقاء التشاوري»... في انتظار مزيد من التشاور.