بدايةً يجب التوضيح أنّ عمر الكرة الأرضية أربعة مليار وخمسمئة مليون وأربعمئة وثلاثون ألف سنة، أما الإنسان فظهر على وجه الأرض منذ حوالى مئة ألف سنة فقط.

«الناس سواسية كأسنان المشط» (الرسول محمد) «ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حرّ، ليس ذكر وانثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع» (رسالة بولس الرسول الى أهل غلاطية). هكذا بشّر رسل «الله» البشر بزمن عادل انسانياً، بعدما ما كان الجهل والفوضى يعمّان مختلف مناطق الأرض. 

ففي نظرة ضيّقة جاءت أديان مختلفة، في مناطق مختلفة، بهدف خلق نظام اجتماعي عادل بين البشر الذين، بحسب الأديان ، خُلقوا جميعاً دون تفريق على صورة «الله»، للوصول بالتالي الى مجتمع صالح عبر ضمان، قدر الإمكان، صلاح كل فرد في هذا المجتمع.

بنظرة واسعة، إنّ أهداف هذه الأديان المختلفة، هي التأكيد على المساواة بين البشر بمختلف أشكالهم وألوانهم وأجناسهم يضاف الى ذلك توحيد البشر في مجتمع معيّن لمواجهة المخاطر بيد واحدة.

ليس من المختلف عليه، بحسب العلم والقانون والمنطق أنّ الطفل، أينما ولد، هو إنسان لا يختلف عن طفل آخر في العالم. ولكن هل يبقى ذلك صحيحاً بعد إعطائه الجنسية لارتباطه بقطعة أرض معيّنة على الكرة الأرضية؟

للأسف الجواب على هذا السؤال هو كلا. ففي زمننا هذا، تقدَّر قيمة الفرد استناداً الى جواز سفره، فمنهم مَن يجولون الأرض أحراراً ومنهم مَن يتسكّعون امام ابواب السفارات للعبور من قطعة ارض الى اخرى، وذلك للحصول على موافقة الأشخاص الذين يسكنون تلك الأرض لفترة من الزمن، و الذين يعتقدون ويدّعون انهم يملكونها الى الأبد.

أكثركم يعتقد، أنّ لذلك اسباباً سياسية وتاريخية. ولكن مهما كان السبب، إن كان ذلك خطأً برأيكم، فلماذا لا نحاول تغييره. أيضاً اكثركم يقول الآن «هذا مجنون». ألا تعلمون انّ اكثر مَن غيّروا وأثّروا في تاريخ الإنسان، رسلٌ كانوا ام أنبياء، علماء كانوا أم فلاسفة، قد نُعتوا بالمجانين؟

منذ القدم وفي مختلف مناطق وأزمان العالم، سادت نظم لمدة طويلة الى أن اصبحت صحيحة رغم عدم منطقيّتها (كوأد النساء). أتى تطوير وتغيير تلك الأعراف والعادات، عبر اشخاص لم يطيقوا العيش ورؤية هذه الافعال دون محاولة تغييرها قدر المستطاع.

يجب الإشارة هنا الى أنّ في ذلك الحين لم يكن هنالك انترنت او غوغل او فيسبوك، ما سهّل محاربة هؤلاء الأشخاص بشكل همجي، فمنهم مَن صُلب ومنهم مَن حُرق ومنهم مَن رُشق بالحجارة. فإن كنتم مؤمنين او ملحدين، قانونيين او علميّين، او ببساطة منطقيين وتوافقونني الرأي، لا تخافوا من هذا «الجنون» بل حاولوا نشر التوعية وإزالة مخاوف التغيير. 

بالعودة الى حالنا اليوم، رغم بشاعة وهمجية الاعتداءات الإرهابية في العالم، أظهرت هذه الأخيرة حقيقة حالنا المؤسف على مستوى نظرة الإنسان الى اخيه الإنسان في مختلف مناطق الأرض. فبعدما ضجّت اخبار تضامن العالم بأكمله مع دولة الديمقراطية فرنسا، طالب اللبنانيون أن يتضامن العالم معهم بالطريقة ذاتها، على اعتبار أنّ الإرهاب نفسه يضرب الدولتين. ولكن نسي العالم أنّ عدد القتلى يتعدى الآلاف يومياً في جميع انحاء العالم، بسبب تعدّي البشر على بعضهم البعض.

ألا يجب أن تكون قاعدة تضامننا «الإنسان إنسان أينما كان»؟

نظرياً، الإختلاف الوحيد بين هذه الاعتداءات، حجّة تبرير القتل. فمنهم مَن يقتل بإسم الدين وآخر للدفاع عن سيادته او ارضه او شعبه او حتى امواله. أما واقعياً فلا يوجد أيّ اختلاف، فإن كان القاتل داعشيّاً او إرهابيّاً، أميركيّاً أو فرنسيّاً، مثقفاً أو جاهلاً، متعلّماً أو أمّياً، القتل هو إجرام وإرهاب مهما تعدّدت أوجهُه وأسبابُه.

ختاماً، تضامنوا مع البشر المعتدى عليهم، إن كانوا في افريقيا، في اوروبا، في آسيا، في اميركا او حتى في القطبين الشمالي او الجنوبي، فالإنسان إنسان أينما كان.

 

(المحامي فؤاد الشيخة)