مصالحة المردة مع القوات، تأتي في لحظة العقوبات الأميركية على حزب الله
 
لمصالحة الجميلة التي تمت تحت قبة الصرح البطريركي بين الزعيمين المارونيين الكبيرين سمير جعجع وسليمان فرنجية، والتي طوت صفحة سوداء من صفحات الحرب الأهلية، لا بد لكل شريف ولبناني أصيل أن يفرح بهذا الحدث أيما فرح، بالخصوص أنه جاء بدون محمولات سياسية، وانطبع كما يؤكد الطرفين على وجدانيته ومشهديته الإنسانية العميقة وهنا تكمن عظمة الحدث وأهميته، وبالتالي ضمان استمراريته .
 
طبعا أنا لا أشكك البتة بأن لحظة المصالحة هي لحظة غير سياسية، وأن كلا الطرفين لم يبدل بتموضعه السياسي العميق إلا أن هذا لا يمنع من القول بأن مقدمات ذات طابع سياسي ولو تكتيكي لا تمس بجوهر المواقف ساهمت بتنقية الأجواء بين الرجلين ودفعت ولو بشكل غير مباشر لإعادة قراءة تحالفاتهما وما أصابهما من جروح صديقة سرّعت على الأقل بالوصول إلى ما يرغبان به من تنقية الذاكرة وطي الصفحة القديمة .
 
ولأننا في لبنان، حيث السياسة تقتحم كل تفاصيل حياتنا، حتى ملاعب الرياضة لا تنجو منها، فلا مجال لحدث بهذا الحجم وبين رجلين بهذا الحجم وبما يمثلان، أن يكون حدث صافي مئة بالمئة ولو عن غير قصد أو على المدى البعيد .
 
فمن غير المنطقي أن لا نستحضر طرفين أساسيين كانا غائبين لحظة المصالحة إلا أن ملائكتهما أو شياطين أحدهما كان حاضراً حتماً، فأنا لا أستطيع أن أصدق أن جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وأدائه السياسي المتخبط خبط عشواء وتشظياته ليس له دور بالحدث، فسليمان فرنجية الذي عبّر صراحة عن " زناخة " باسيل لا حاجة للتدليل كم أن قلبه " محبّل " من باسيل ومن عمه أيضاً، وهذا الشعور بالإمتعاض الشديد كان حاضراً حتماً ببكركي لحظة المصالحة .
 
طبعاً أنا لا أقول بأن سليمان فرنجية خطا هذه الخطوة الكبيرة على طريقة " النكاية "، وإنما " زناخة " باسيل ساهمت في لا وعي فرنجية على حقيقة أن الخلاف مع القوات لم يعد يخدم خيارات كبرى، وإنما تحوّلت إلى مجرد مساحة يلعب فيها من يُفترض أنهم حلفاء ولمصالحهم الشخصية ليس إلا. 
 
وعلى المقلب الآخر، فحكيم القوات، الساعي دوماً لردم كل ما هو ماضي أليم، والحاضر لمدّ جسور التواصل مع كل الأفرقاء وجد في هذه المصالحة ضالته، لن يفرط بها بالخصوص إذا ما كانت تساهم بمكان ما في فضح باسيل بعد إنقلابه على اتفاق معراب، فتأتي  المصالحة كرد مدوي على كل محاولات اتهام القوات بأنها هي من نكثت بالعهود!!! فالقوات بأدائها المحترم هي محل ترحيب عند أشد خصومها التاريخيين، وليست هي محل اتهام .
 
وفي هذا السياق، لا مناص من التذكير بالعلاقة المميزة جداً التي تربط فرنجية بحزب الله، مما يعني بالضرورة بأن ملائكة الحزب أيضاً كانت حاضرة حتما في بكركي، إن  لم نقل من خلال مباركة هذه المصالحة فعلى أقل تقدير يمكن الجزم بأن " قبة باط " توحي بوجود عدم انزعاج عند قيادة الحزب . 
 
ومن بديهيات القول أن مصالحة المردة مع القوات، تأتي في لحظة العقوبات الأميركية على حزب الله وفي أجواء تشكيل الحكومة العتيدة، مما يعني أن عقبات كبرى وأساسية بدأت بالزوال أمام فتح صفحة جديدة بين حزب الله والقوات اللبنانية، يعزّزه حاجة الحزب إلى الإنفتاح على كل المكونات اللبنانية، بعد أن اهتزت الثقة مع العهد وصهره كما بدا جلياً حين رفض الرئيس ميشال عون علناً المشي ( حتى اللحظة ) بمطلب الحزب توزير واحد من السنة المستقلين،  وأن هذا التقارب المتوقع سيدفع ثمنه حتماً جبران باسيل وخلفه العهد.