ما يكشفه الرئيس تمام سلام عن تشكيل حكومته يصلح لأن يكون مادةً لفهم الصعوبات التي تعترض الرئيس سعد الحريري منذ ستة أشهر والى اليوم.
 

ما أشبه الأمس باليوم، يقول الرئيس سلام الذي كلّف بتشكيل حكومته في نيسان 2013، فشكّلها بعد عشرة أشهر ونصف الشهر قياسية، شهدت تصعيداً وصراعاً على الأوزان، لكنّ الأهم أنها شهدت تصلّباً من «حزب الله» على لسان السيد حسن نصرالله، الذي رفض المداورة والمثالثة، ليعود كما يروي سلام الى القبول بها تسهيلاً لتشكيل الحكومة. 

يروي سلام: ووجِهنا بتطوّرات إقليمية ودولية كبيرة، وكان النفوذ الإيراني يزداد قوةً في لبنان والمنطقة، وكانت تجرى مفاوضاتٌ أميركية- إيرانية، وفي الشهر التاسع على التكليف خرج «حزب الله» بموقفٍ متصلّب رفض فيه المثالثة والمداورة، وكنتُ قد اعتمدتُهما كمعيارَين لتشكيل الحكومة، لقد كانت المفاوضات الإيرانية- الأميركية قائمةً وقتها ولم يكن يظهر فيها أيُّ نور.

يضيف: إثر تزايد العراقيل، قرّرتُ بالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان التوجّه الى تقديم تشكيلة تكنوقراط من 14 وزيراً، وكان ذلك في أواخر سنة 2013، فإذا بالنائب وليد جنبلاط يبلّغني في أوّل أيام الـ2014 نقلاً عن «حزب الله» أنهم قرّروا تسهيل تشكيل الحكومة، وأن «يمشوا بالتأليف». وهكذا حصل، فلقد تشكّلت الحكومة خلال شهر ونصف الشهر من بعدها، وقبلوا بالمثالثة والمداورة لكل الحقائب، وطبعاً كانت المفاوضات الإيرانية- الأميركية قد تقدّمت وهذا التقدّم كان السبب الرئيسي للمرونة، ووُقّع الاتّفاق الأميركي- الإيراني بعد أشهر.

يكشف الرئيس سلام معزّزاً شهادته على عصر التعطيل أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي اتّصل به بعد تشكيل الحكومة كشف له بدوره أنّ تشكيل الحكومة اللبنانية كان أمراً متّفَقاً عليه إقليمياً ودولياً، أي أنه أتى من ضمن التفاهم الكبير، ولا يُسقط سلام في الوقت نفسه سبباً آخر لتسريع تشكيل الحكومة وهو رغبة الجميع في استباق الفراغ الرئاسي الآتي حتماً في ظلّ الصراع السياسي القائم في البلد وقتها. 

ويقارن سلام بين ما واجهه وبين ما يواجهه الرئيس الحريري فيقول: نحن نشهد اليوم شدّاً وجذباً بين أميركا وإيران، وكما شهدنا نموذج العراق الذي منعت فيه القوى العراقية الحليفة لإيران استكمال تشكيل الحكومة، كذلك نشهد قيام القوى الحليفة لإيران في لبنان بتأخير تشكيل الحكومة. ويقول: إيران تحتجز تشكيل الحكومة في سياق استثمارها للأوراق التي تمتلكها في المنطقة، بمواجهة العقوبات التي تُفرض عليها.

يشرح سلام: هناك تمدّدٌ إيراني في لبنان والمنطقة. لقد واجهت آثار هذا التمدّد لدى تشكيل حكومتي، والرئيس الحريري يواجه الامر نفسه اليوم. لقد خلق «حزب الله» أزمة مصطنعة بكل ما للكلمة من معنى. هؤلاء النواب الستة كل واحد منهم ينتمي الى كتلة ممثلة في تشكيلة الرئيس الحريري، وجمعهم هو عملية مصطنعة، ومع الاحترام والتقدير لهم شخصياً ولكونهم منتخَبين في مناطقهم، فهم ليسوا سوى كتلة نيابية مصطنعة صُنعت لدى «حزب الله» (made in)، واصطناع المشكل يهدف الى تعطيل التشكيل لأهداف وأسباب داخلية وإقليمية ترتبط بالصراع القائم بين أميركا وإيران. 

بالسؤال عن وجود خطر على اتّفاق الطائف والصيغة اللبنانية يقول سلام: إتفاق الطائف هو ملجأ الجميع ومع الأسف فإنّ سوءَ تطبيقه على مدى سنوات واستثناء تطبيق الإصلاحات التي تضمنها، أضعفه، لكنّ البديل عنه هو نفسه اتفاق الطائف أي لا بديل عنه بانتظار ظروف تسمح بمراجعته. ليس الاتفاق مثالياً لكن لا بديل عنه إلى الآن.

وقال: نحن اليوم نسأل عن سبب تحوّل بعض الممارسات التي تعمد إلى خلق أعراف تُضعف الدستور وتُضعف اتفاق الطائف. هذه الأعراف باتت تشكّل تعدّياً على الطائف والدستور وخصوصاً على صلاحيات الرئيس المكلف. كما أنّ تشريع الضرورة لم يكن بمجمله خاضعاً للضرورة خلافاً لنص المادة 69 من الدستور التي تقول إنّ المجلس يصبح حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف الحكومة الجديدة ونيلها الثقة. أضاف: هناك أعراف جديدة وهذه خطوات غير داعمة للدستور، وخصوصاً أننا مررنا في السنوات الماضية في ظروف مشابهة إن كان بالنسبة للتأليف أو للشغور الرئاسي ولم يجتمع فيها مجلس النواب إلّا فعلاً عندما مدّد لنفسه أوّلاً وثانياً. أنا أتفهّم الرئيس نبيه بري الذي يسعى للحلحلة وهو مقدّر من الجميع، لكن ما نشهده من اعراف يفسح في المجال امام إضعاف الطائف.

عن دور رئيس الجمهورية في مواجهة التعطيل قال سلام: لقد مرّت خمسة أشهر على التكليف وكثرت المماحكات والمبارزات لتحقيق المكاسب في الأحجام، ومسؤولية الجميع حسم الامور لتشكيل الحكومة، ومسؤولية الرئيس عون ليست فقط الموافقة على التشكيلة الحكومية بل مساعدة الرئيس المكلّف على تجاوز الصعوبات، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية يمتلك أكبر كتلة نيابية.

يضيف: نسمع أوصافاً تعبّر عن الجبروت: «الجمهورية القوية، الرئيس القوي، العهد القوي»، إنّ البلد لا يحتمل هذا الجبروت ولا يحكم بمبارزات القوة بل بالتواضع. انا ادعو الى الإكثار من التواضع.

ويقول: نسمع ايضاً انهم يريدون أن يكون رئيس الحكومة قوياً ولا نرى ترجمات عملية، يصحّ فيهم القول: «اسمع كلامك يعجبني أشوف افعالك أستعجب».
يصحّح سلام لأصحاب الدعوة للحفاظ على قوة رئيس الحكومة: رئيس الحكومة هو رئيس السلطة التنفيذية والقوة هي في إدارة هذه السلطة كي تكون الحكومة قوية، والدعوة لقوة الرئيس المكلف وقوة الحكومة تناقضها المحاصصة التي تعطل التشكيل.

عن البيت السنّي يقول الرئيس سلام: إنّ البيت السنّي متضامن ومتماسك يواجه مَن يريد أن يضعفه أو يشارك في إضعافه، وسط تضامن وتناغم بين مرجعيته الوطنية الأبرز ومرجعيته الدينية (دار الإفتاء) وهناك تفاهم وتواصل لتحصين الطائفة.

هل هناك استهداف للطائفة السنّية؟ يأخذ الرئيس سلام ثواني من التفكير العميق قبل أن يجيب: نعم هناك استهداف للسنّة، ولكنهم أقوى من الاستهداف. يقول: لقد علّمتنا التجربة التاريخية في لبنان أنّ البلد مؤلفٌ من مكوّنات طائفية، وأنه كلما استُضعف مكوّن من هذه المكوّنات اختلّ التوازن ووقع البلد في مأساة. وختم: في كل مرة يستقوي فيها طرف على آخر تقع المشكلة، فللجميع أقول: تواضعوا.