أوساط الموارنة كانت تحبذ أن تكتمل باتجاه القصر الجمهوري
 

شرّعت المصالحة بين «قوات اللبنانية» و«تيار المردة»، أول من أمس، باباً لتفاهم سياسي، ووسّعت مروحة الخيارات السياسية أمام الطرفين في نسج التحالفات التي تستبعد، حتى هذه اللحظة، «التيار الوطني الحر» الذي يرتبط معه «القوات» بتفاهم، لا بتحالف سياسي، في حين تشهد علاقته مع «المردة» توتراً منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل عامين.

وتضيق مروحة التحالفات المسيحية مع «التيار الوطني الحر» أكثر، بموازاة تقاربات جديدة تشهدها الساحة المسيحية، كان أبرزها لقاء أول من أمس بين رئيس «القوات» سمير جعجع، ورئيس «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، وسبقها «بحث بالأوضاع والتطورات» بين رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل مع فرنجية أثناء زيارة لتقديم واجب العزاء قبل شهرين، رغم أن مواكبين لأجواء حركة الكتائب يشيرون إلى أنه لم يحسم بعد خياراته وتحالفاته في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة، في حين يقول آخرون، إنه أكثر اتجاهاً للتقارب مع العهد بعد الانتخابات النيابية الماضية.

ومن شأن المصالحة الأخيرة بين جعجع وفرنجية، أن تطبع العلاقات بين الطرفين، بعد إزالة حاجز الماضي بينهما. ويشير عضو تكتل «الجمهورية القوية»، النائب جوزيف إسحاق، إلى أن العلاقة مع «المردة» بدأت بتواصل في عام 2006، وسلكت مسار التطبيع قبل أن تكتمل وتتوج بعلاقة طبيعية في المصالحة أول من أمس، لافتاً إلى أن العلاقات الطبيعية الآن «تمهد لأن تترجم في المستقبل بتحالفات في حال وصلنا إلى مكان يمكن أن نتحالف فيه»، خلافاً لتجارب الماضي عندما حالت الحواجز دون التحالفات بين الطرفين. وقال إسحاق لـ«الشرق الأوسط»: «اليوم تخطينا هذا الحاجز، وانتقلنا إلى علاقات طبيعية؛ ما يعني أن كل الاحتمالات كانت واردة، بالنظر إلى أن الاتفاق كان واضحاً بطي صفحة الماضي وإنشاء العلاقات».

وخاض الطرفان الانتخابات النيابية الأخير بلائحتين منفصلتين في مواجهة لوائح «التيار الوطني الحر» بالدائرة الثالثة في الشمال، حيث منعت آثار الماضي العائد إلى حقبة الحرب اللبنانية دون تحالفهما. وانعكس الماضي نفسه على تحالفات موضعية كانت تلزم الطرفين بالتحالف، لكنهما لم يدخلا فيها، مثل الانتخابات النيابية والاختيارية (المحلية في بعض القرى) والانتخابات في النقابات والجامعات. وللمفارقة، سُجّلت تحالفات موضعية أحياناً في الجامعات بين «القوات» وخصوم آخرين مثل «حزب الله» أو «حركة أمل» أو «التقدمي الاشتراكي» أو «الوطني الحر»، من غير أن تسجل أي واقعة تحالف بين «المردة» و«القوات»، علماً بأن تلك الانتخابات لا تُخاض، في الغالب، وفق أسس أو برامج سياسية.

ورغم أن الطرفين يؤكدان، بحسب الوثيقة، أن ما ينشدانه من هذه الوثيقة «ينبع من اضطلاع بالمسؤولية التاريخية ومن قلق على المصير، وهي بعيدة عن (البازارات) السياسية، ولا تسعى إلى إحداث أي تبديل في مشهد التحالفات السياسية القائمة في لبنان والشمال»، إلا أن انعكاساتها السياسية، ستكون أكثر عمقاً، بالنظر إلى أن الطرفين «باتا طرفين قائمين، تبيح المصالحة العلاقات على مختلف أطيافها»، بحسب الوثيقة، وبالتالي لا يستبعد المعنيون فيها أن تشهد العلاقة «منافسة سياسية أو تحالفات» تقتضيها المرحلة، ويقرران ذلك عندما تفرض مصلحتهما السياسية الأمر.

وعما إذا كانت بديلاً عن تحالف «القوات» مع «التيار الوطني الحر»، أكد إسحاق أن تفاهم «القوات» مع «الوطني الحر»، لا يزال قائماً، لكنه شدد على أن العلاقة بينهما «يربطها التفاهم وليس التحالف في هذا الوقت»، مذكراً بأن المصالحة مع «المردة» تطوي صفحة الماضي.

رغم ذلك، ينظر آخرون إلى أن المصالحة، ستجمع طرفين مسيحيين بوجه «الوطني الحر»، علماً رؤساء الأحزاب الثلاثة، الذين هم مرشحون مفترضون لرئاسة الجمهورية بعد أربع سنوات.

ويقول الباحث السياسي اللبناني جورج علم: إن «المصالحة التي حصلت أُعطيت الطابع الوجداني، وهذا الأمر هو تكريس لما سبق ذلك أن الجهود التي قامت بها فعاليات بشري وزغرتا على مدى العقود السابقة، قد قللت من التشنج على مستوى القاعدتين المارونيتين في الشمال، وتحديداً بشري واهدن وزغرتا».

ويضيف علم لـ«الشرق الأوسط»: «غير أن المصالحة في بعدها السياسي، أمام علامات استفهام ثلاث، الأولى من سيتجاوب مع من إذا كانت (القوات) مع محور سياسي إقليمي محلي، يتعارض مع المحور الذي يعلن زعيم (المردة) سليمان فرنجية الالتزام بخطه، أي سوريا والمقاومة اللبنانية». أما العلامة الثانية فتدور حول ما إذا كانت هذه المصالحة كما هو متداول في وسائل الإعلام اليوم «موجهة ضد رئيس التيار الوطني جبران باسيل الذي هو على خلاف مع المرجعيتين»، مضيفاً: «باعتقادي أن الشرخ على المستوى والوطني لا يزال قائماً، وإلا كيف يمكن القول بفتح صفحة جديدة إذا كانت موارنة الشمال في مواجهة رئيس تيار له حضوره المسيحي ورئيس أكبر كتلة نيابية حالياً في البرلمان».

ويسأل علم: «ما المغزى من هذه المصالحة إذا لم يكن الهدف منها على المستوى الوطني دعم رئاسة الجمهورية، أقله في الخيارات الوطنية الكبرى التي يواجهها وهناك الكثير من أهل الرأي في صفوف عقلاء الموارنة كانوا يحبذون أن تكتمل المصالحة من بعد بكركي باتجاه القصر الجمهوري». وبالتالي: «لو تم ذلك، لكانت أزالت الكثير من الالتباس الذي تركته على الساحتين المارونية والوطنية لجهة أنه موجه ضد العهد». ورأى «أن هذه المصالحة هي قنبلة صوتية لم تترك أي أثر إلا الوجداني العاطفي».

وكان أمين سر تكتل «لبنان القوي»، النائب إبراهيم كنعان، قد أكد أن «المصالحة أهم بكثير من أي مصلحة آنية، وهي تفتح الباب إما لتنافس ديمقراطي أو لتحالف سياسي يؤدي إلى مزيد من الديمقراطية، وتمنع الابتعاد والحقد نتيجة خطأ أو عمل سلبي حصل في الماضي، فيتحول التباعد إلى نوع من الغريزة». ورأى كنعان أنه «علينا ألا نخاف من أنه إذا تكلمنا بالسياسة بعد المصالحة نكون كمن يسيء إليها، بل على العكس، ما من حزب في العالم أو تيار سياسي إلا وينظر للسياسة وفق رؤيته ومصلحته السياسية».