من الواضح أن هناك قراراً بتعزير الحريري ومن ثم دفعه الى الاعتذار رغم معرفة القاصي والداني بأن الحريري لا يستطيع الابتعاد عن رئاسة الحكومة ولن يتركها مهما كانت عليه الضغوطات كبيرة فهو لم يتركها طلباً من شركائها فكيف سيسلمها طوعاً أو قسراً لأعدائه؟
 

ضيّع الشيخ سعد الحريري فرص كثيرة أودت به الى ما هو عليه من وهن وضعف وتردد وانكماش بعد أن كان رمزاً لأكثرية لبنانية ونيابية متحكمة في إبرة الميزان السياسي وفوّت عليه فرصة المبايعة لطائفة مااعتادت على مبايعة فرد بالقدر الذي حرصت فيه على تأييد نهج وخط في ظل ايمانها العميق بالتعددية داخل المذهب الواحد بعد أن خسّرها قوتها الدائمة في لبنان طيلة مراحله السياسية حتى في الحروب كانت الطائفة السنية الطائفة القوية في ظل حماية متعددة لها. 

خسرت الطائفة مكانتها ودورها بُعيد خسارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن ثم خسرت رصيدها المتبقي بعيد هبوط الحريرية السياسية بشكل محبط نتيجة تراجعات في الخطابات والمواقف وتنازلات دائمة في كل شيء حفظاً لحسابات السلطة بمدلولها الشخصي لا بمعيارها العام.

إقرأ أيضًا: باسيل الوسيط المبسوط

اكتفى الرئيس المكلف برمي الخلافات وراء ظهره مع خصومه لتبيان حُسن نيته في خلق مناخ عام ايجابي بعد أن حددت المحكمة الدولية الجهة المعنية باغتيال الحريري وتنازل وليّ الدم عن حقه رغبة منه بحماية البلد وبناءًا عليه شغل الحريري مسؤولية تشكيل الحكومي في ظل حسابات داخلية مضطربة وخارجية مستعرة أعاقت من وصول عملية التشكيل الى خواتمها وبعد جهد جهيد وتصالح المتخاصمين على الحصص الوزارية أخرج حزب الله من جيبه ورقة نوّاب السنة المتفرقين فأحرج الحريري الذي ألقي أرضاً بنصف ضربة من تحت الزناروجعلته صريع صراع لا طاقة له به على مجاراته سوى احتمال لكماته الأولى ومن الواضح أن هناك قراراً بتعزير الحريري ومن ثم دفعه الى الاعتذار رغم معرفة القاصي والداني بأن الحريري لا يستطيع الابتعاد عن رئاسة الحكومة ولن يتركها مهما كانت عليه الضغوطات كبيرة فهو لم يتركها طلباً من شركائها فكيف سيسلمها طوعاً أو قسراً لأعدائه؟

نحن أمام صراع لا كماش بين الحريري وبين حزب الله ونتيجة للخلل القائم في ميزان القوّة سيربح الحزب كعادته وسيخسر سعد الحريري كعادته مما يعني أن تسليم الحريري بتوزير سُنة خصومه سيجعل الحكومة في قبضة 8 آذار وهذا غير مهم لأن البلد كله في قبضة هذا الفريق ولكن المهم هو السهم الذي سيصيب الحريري من قوس الطائفة السنية التي ستشعر بزيادة في الوهن وامتهان الكرامة بجعل حزب الله من يسمي نواب ووزراء الطائفة وتقاعس المستقبل عن دوره في الحماية بعد أن حمته الطائفة طيلة هبوطه من القمة الى الأسفل وبسرعة هائلة.

إقرأ أيضًا: بين قريطم والحارة ابيفتح الله

سيدفع الحريري أثمان ما يجري في المنطقة من تمدّد المملكة داخل مدينة الحديدة اليمنية ومن ضخ المزيد من العقوبات الأمريكية على إيران وما سيؤدي ذلك الى تفليس عملي للقوى اللبنانية المستفيدة من المال الايراني وهذا ما سيدفع الى أفعال ستُفلس من الطرف الثاني بإفلاس البلد لغياب الادارة المركزية وتضيع فرص الاسناد و الدعم الاقتصادي من خلال "سدر" الذي يحتاج الى وجود حكومة بشروط الدول المانحة والمُقرضة.

ليس عن عبث نبش ورقة نوّاب "المستقلين" السُنة وهي ليست مجرّد ورقة من ضمن أوراق اللعبة اللبنانية وقد امتاز حزب الله ولأوّل مرّة في مهارة اللعبة اذ انه لا يُجيد السياسة بقدر ما يمتهن الأمن ولا أعتقد ان هذه الورقة هي من جيب الحزب بقدر ما هي من صنع من يدير سياسة 8 آذار بحنكة عالية يعيد فيها ملء المملوء بالفراغات اللازمة لانتاج الأزمة من جديد طالما انها تعطي أكثر مما تعطي الحلول المطروحة من قبل لاعبين صغار يريدون تقييد الكبار.