الرئيس العراقي الجديد الذي يرى البعض فيه خيارا أميركيا لا يشكل وجوده الرمزي باهظ التكاليف سوى عنوان للعراق الذي يُدفع عنوة لكي يتخلى عن هويته العربية.
 

لا يملك العراق سوى فك ارتباطه بإيران، أو الانتحار عن طريق الذهاب بذلك الارتباط إلى أقصاه، حيث التهلكة التي تنتظره.

الرئيس العراقي الجديد برهم صالح ليس لديه في جولته الخليجية التي سيلحقها بزيارة لطهران جواب نهائي مقنع على سؤال من نوع “ما الذي سيفعله العراق في مواجهة العقوبات المفروضة على إيران؟”.

يمكنه أن يقول سرا “لا تحرجونا”، وهو يقصد عدم المبالغة في الحديث عن الاستقلالية في القرار الوطني، ويمكنه أن يصمت علنا لأن الأمر يقع فعلا خارج صلاحياته.

فالرجل وهو كردي الأصل وكان دائما عضوا في حزب الاتحاد الوطني الذي عُرف بعلاقته الوثيقة بالنظام الإيراني، لم يشهر عن نزعته الإيرانية، بالرغم من أنه كان حريصا على أن يعلن عن نزعته الانفصالية عن العراق يوم كان ذلك الانفصال موضوعا للاستفتاء العام.

دستوريا فإن منصبه رئيسا للعراق لا يعني شيئا. فهو مثل ملك السويد من غير صلاحيات. وهو حدث غريب في التاريخ السياسي العراقي المعاصر إلا إذا استحضرنا الحقبة الملكية.

ولو عدنا إلى مسألة العلاقة بإيران فإن أمرها لا يمكن حسمه بقرار حكومي يتخذه هذا السياسي أو ذاك، بغض النظر عن منصبه.

إيران تملك جيوشا مدججة بالسلاح داخل العراق. تلك حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها. هي لم تفعل عبر السنوات الماضية بعد أن أتيح لها أن تفرض سيطرتها على العراق برضا وتشجيع أميركيين سوى أن تحول العراق إلى معسكر تابع لها يديره قاسم سليماني مباشرة.

لقد تمت عسكرة “المجتمع الشيعي” في العراق بما يخدم حاجة إيران إلى تلك العسكرة. ذلك ما أتاح لمافيات الفساد أن تتمدد وتوسع من نشاطها رافعة الشعارات العقائدية التي تدعو إلى العسكرة من أجل التغطية على غياب المشروع الوطني الذي كان من شأنه أن يستجيب لمتطلبات الحياة في بلد دمرت الحروب بنيته التحتية.

وإذا ما كان الرئيس العراقي قد تحجج بحاجة السوق العراقية إلى البضائع الإيرانية، وهي من أسوأ البضائع التي عرفتها البشرية وبالأخص في جانبيها الغذائي والدوائي، فإن تلك الحجة لا يمكن أن تخفي حقيقة التبعية السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تسمُ نوع العلاقة بين الطرفين.

ولولا تلك التبعية لكان العراق حرا في اختيار الدول التي يستورد منها بضائعه، ويتعامل معها اقتصاديا. غير أنه كان، ولا يزال وسيبقى، مضطرا إلى التعامل مع إيران باعتبارها المصدر الوحيد للاستيراد لأسباب تتعلق بخدمة الاقتصاد الإيراني أولا، وثانيا لأن التعامل مع إيران يضمن أرباحا مضاعفة للفاسدين مقارنة بالتعامل مع دول أخرى.

الرئيس العراقي الجديد الذي يرى البعض فيه خيارا أميركيا لا يشكل وجوده الرمزي باهظ التكاليف سوى عنوان للعراق الذي يُدفع عنوة لكي يتخلى عن هويته العربية.

فمؤسسة الرئاسة بالرغم من عدم أهميتها فإنها تشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة التي تعاني عجزا مزمنا. وكما يبدو فإن تلك المؤسسة الثقيلة والمعاقة التي أضفى عليها الدستور هالة مختلقة هي ليست سوى صفعة إيرانية للعرب. وما برهم صالح إلا نسخة جديدة من تلك الصفعة. تلك مشكلة ربما لا يعيرها صالح أهمية تُذكر.

وهو إذ يلتقي بالقادة العرب فإنه يدرك جيدا أنهم يتعاملون معه بصفته زائرا فخريا. ذلك لأن رئيسا من غير صلاحيات هو حدث استثنائي في العالم العربي، وهو ما يضفي على زياراته نوعا من الطواف السياحي. فالرجل سيقضي أربع سنوات قادمة شبيهة بتلك السنوات الأربع التي قضاها سلفه، فؤاد معصوم، الذي لم يترك بعده أثرا سوى قوائم إقامته في الفنادق والرواتب التقاعدية لأفراد عائلته وأقربائه.

برهم صالح سيمشي على الطريق عينها. وهو ما لا يتمناه الكثيرون له، وبالأخص أولئك الذين عرفوه لاجئا سياسيا.

من وجهة نظرهم فإن افتقار منصبه إلى الصلاحيات لا يمنعه من إحداث تغيرات في مؤسسة الرئاسة، ولا يقف حائلا بينه وبين الإدلاء بآراء سياسية قد تكون نافعة إذا ما انحاز من خلالها إلى الشعب الذي يمثله على المستوى الرمزي.