لماذا حصر الفقهاء الطلاق بيد الرجل؟
 

(قال الفقيه الشيعي الشيخ محمد تقي الفقيه في كتابه "حجر وطين" /ج 1 / ص/ 242 / في كتاب "زهر الربيع" للعلامة السيد نعمة الله الجزائري: "كان الطلاق عند العرب بيد النساء، وكانت علامته تغيير باب البيت، وذكروا أنَّ زوجة حاتم الطائي طلَّقته عندما أسرف في ماله) هذا ما كانت عليه العرب ما قبل الإسلام بحسب العادات والتقاليد السائدة عندهم، وأما في الإسلام جعل للمرأة حقٌ في الطلاق ـ الديانة المسيحية منعت الطلاق فوجدت الشعوب الغربية أمام واقع أسوأ بكثير من إباحة الطلاق فلجأوا لصياغة قوانين مدنية تبيح الطلاق وأذعنوا للأمر وتحدياته الصعبة ـ وهكذا ندرك معنى كون الطلاق ضرورة وبالأخص عندما يحصل النفور والكراهية بين الزوجين، ولكنه مع ذلك "أبغض الحلال عند الله".. 

وذهب فقهاء المسلمين من أنَّ الطلاق بيد الرجل، إنطلاقاً من المروي "الطلاق بيد من أخذ بالساق" أما في القرآن الكريم بمجمل الآيات الكريمة  ـ ما نفهمه ولا نلزم أحداً به ـ أنَّ الطلاق بيد الزوجين وخصوصاً تلك الآيات الكريمة الناهية عن ترك الزوجة ـ لا معلَّقة ولا مطلَّقة ـ قوله تعالى : "ولا تذروها كالمعلَّقة"، "وإن خفتم ألاَّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها".(سورة البقرة/ آية 229)..  

وبما أنَّ الإسلام أعطى حق الطلاق للمرأة، فماذا عن هذا الحق؟ ولماذا حصر الفقهاء الطلاق بيد الرجل..؟ 

إقرأ أيضًا: هل من مغيثٍ يغيثنا من عدونا الداخلي؟

إنَّ ما ذكروه من الرواية الشريفة "الطلاق بيد من أخذ بالساق" وقالوا إن حق الطلاق بيد الرجل، فالظاهر أن المراد من هذا الحديث هو حصر الطلاق بيد الزوجين ونفيه عن الأولياء كالأب والجد والمولى،فقد يفهم البعض من صحة عقد الأب أو الجد للإبن والبنت في الزواج، أنَّ لهما الحق أيضاً في الطلاق، أو يحق للمولى أن يطلق زوجة عبده متى يشاء، فلذلك وردت النصوص في حصر مثل هذا الحق بيد من أخذ بالساق، وهو كناية عن الفراش الذي يشمل كلا الزوجين ولا يختص بالزوج فقط، لأنَّ من المُسلَّم لدى الفقهاء أن الزوجة يحق لها أن تطلب الطلاق ببذلها المهر، ويسمى هذا النوع من الطلاق بالطلاق "الخلعي"، ويجب على الزوج أن يطلقها حينئذٍ، فإن امتنع رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيطلِّقها الحاكم بدل الزوج، فقد ورد في الحديث الشريف: "أنَّ ثابت بن قيس كان متزوجاً بنت عبدالله بن أُبيِّ، وكان هو يحبُّها وهي تبغضه، فأتت رسول الله (ص) وقالت: يا رسول الله لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي ورأسه شيء، وكان ثابت قد أصدقها حديقة، فقال ثابت: والحديقة؟ فقال لها رسول الله (ص): ـ ما تقولين؟ فقالت نعم، وأزيده. فقال الرسول (ص): لا، الحديقة فقط، فاختلعت منه.." (فقه الإمام جعفر الصادق /ج 5/ص20/ للفقيه الشيعي محمد جواد مغنية)، وقيل أنَّ هذه الحادثة سبب في نزول قوله تعالى: "فإن خفتم ألاَّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها" (البقرة/ آية 229).. وهكذا وقع الطلاق بينهما بمجرد أن أعادت له المهر بإذن من رسول الله (ص) ومعلوم أن رسول الله (ص) في هذه الواقعة يمثل الحاكم الشرعي للمسلمين، فلا يختص هذا الحكم بتلك الواقعة، وإلا وقعنا بما هو أسوأ ولبقيت مشاكل كثيرة لم يرد لها حلّ في الإسلام، ومن هنا نستنتج أنَّ للحاكم الشرعي أن يطلق المرأة إذا طلبت ذلك وبذلت المهر وامتنع زوجها من طلاقها.. (أحمد القبانجي/ المرأة، المفاهيم والحقوق).. 

للتوسعة أكثر يقول الشيخ مرتضى مطهري: "فالمرأة التي تتزوج من رجل لتشاركه حياته، ثم تتغير الأمور إلى وضع يسيء فيه الرجل استخدام صلاحياته،ويمتنع عن طلاق المرأة لا من أجل أن تبقى له زوجة وشريكة في الحياة،وإنما ليحول بينها وبين الزواج مجدداً ممن يناسبها وينسجم معها، وبتعبير القرآن يذرها "كالمعلَّقة" هذه المرأة قد ابتليت حقاً بما يشبه السرطان، ولكن هذا السرطان هو من النوع الذي يمكن استئصاله بالعملية الجراحية ويشفي المصاب به شفاء كاملاً، مثل هذا العلاج وهذه العملية يمكن قبولها إذا تمت على أيدي حكام أو قضاة شرعيين جامعين للشرائط الإسلامية المعتبرة"... 

إقرأ أيضًا: دعوة لإلغاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى!

هنا نلاحظ في كلام مطهري ـ كما ذهب القبانجي ـ من أنه قرَّر مسألة عدم قيام الزوج بواجباته كشرط في تدخل الحكم الشرعي وطلاقه لها ـ وهذا ما ذهب إليه جمع كبير من الفقهاء ـ إلاَّ أنَّ الحال لا نجد مبرراً لاشتراط مثل هذا الشرط، فمجرَّد كراهية المرأة لزوجها وبذلها صداقها يسوِّغ طلاقها حتى وإن كان الزوج محباً لها ومؤدياً حقوقها كما رأينا في الحديث النبوي في زوجة ثابت بن قيس حيث لم تتحدَّث الرواية عن قصور أو تقصير الزوج في حقها، بل كراهيتها له لدمامته وقبح منظره،وقد انفصلت منه بعد أن رفعت أمرها إلى رسول الله (ص) وبذلت له ما كان قد أصدقها... 

ثم لنرى هنا مسألة خطيرة في (كتاب صراط النجاة لزعيم الحوزة المرجع الخوئي /ج1/ مسألة 943/ سؤال: إمرأة غنية حُبس زوجها لمدة طويلة جداً،بحيث تدعي أنها لا تستطيع الصبر بدون زوج ولا تكتفي بالنفقة بل تريد أن تتزوج فما حكمها؟ خصوصاً وأنها تقول إنَّ بقاءها بدون زوج تدمير لحياتها وإضرار كبير بها قد يوقعها في الحرام والعياذ بالله؟ الجواب: في الصورة المفروضة: لا وسيلة لطلاقها إلاَّ أن ترجع المرأة إلى زوجها أو بوسيلة شخص وتطلب منه الطلاق، والله العالم..) ثم لنسأل هنا أين هي قاعدة (لا حرج) أليست حاكمة هنا على لزوم العقد كما هو الحال في حكومتها على جميع الأحكام الشرعية، أليس الطريق موجود في الإسلام لحل هذه المشاكل التي توقعنا في ما هو أسوأ والعياذ بالله..؟ 

نعم هكذا يؤدي حصر الطلاق بيد الزوج إلى تحطيم تلك المرأة بكل حياتها والبقاء في حبال الزوج الغائب والمحبوس، أو ربما نرى تحت قاعدة معروفة "الضرورات تبيح المحظورات" من فعل زنا بقدر الضرورة والحاجة ـ نعوذ بالله ـ من دون أن يكلِّفوا أنفسهم التفكير على مستوى إيجاد حلٍّ شريفٍ وعادلٍ لهذه المعضلة، كل ذلك خوفاً من غضب النصوص ومخالفتها، بل الخوف من مخالفة فهمهم الخاطئ للنصوص التي يظهر منها حصر الطلاق بيد الرجل....